فى رحلة تاريخية هدفها البحث والتقصى، غاصت «اليوم السابع» فى الوثائق القديمة حول التهجير، ليتضح أن مشروع التهجير لم يكن وليد اليوم، وإنما له جذور تاريخية واستعمارية منذ زرع الكيان الصهيونى فى المنطقة العربية عبر احتلال فلسطين.

مخططات مستمرة
فى رحلة تاريخية هدفها البحث والتقصى، غاصت «اليوم السابع» فى الوثائق القديمة حول التهجير، ليتضح أن مشروع التهجير لم يكن وليد اليوم، وإنما له جذور تاريخية واستعمارية منذ زرع الكيان الصهيونى فى المنطقة العربية عبر احتلال فلسطين، وهى المشاريع التى تنتهى عادة بالفشل الكامل فى ظل تمسك أهالى وشعب فلسطين بأرضه على النحو التالى:
ماك جى.. فى عام 1949 توجه ماك جى، مستشار وزير الخارجية الأمريكى لشؤون الشرق الأوسط، إلى بيروت، لشرح خطته لإعادة 100 ألف لاجئ فلسطينى إلى الأراضى المحتلة، مع توطين باقى الفلسطينيين فى عدد من البلدان.
وتعتبر هذه الخطة من أقدم مشاريع التهجير التى فشلت سريعا.
مشروع مفوض «الأونروا».. بعدها جاءت المبادرة من المفوض العام الأسبق لوكالة غوث، وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، جون بلاندفورد، الذى تقدم فى عام 1951 بمشروع لدمج اللاجئين الفلسطينيين فى الدول العربية، وشملت مبادرة بلاندفورد تخصيص ميزانية قوامها 250 مليون دولار لدمج اللاجئين فى الدول العربية.
خطط الخمسينيات.. شهد عام 1953 طرح «خطة سيناء»، من جانب فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، التى دعمتها واشنطن، وتشمل «تهجير فلسطينيين» لتلك البقعة المصرية.
فى عام 1955 قدم وزير الخارجية الأمريكى، جون فوستر دالاس، مقترحا بإعادة بعضهم إلى فلسطين بشرط إمكان ذلك، وقيام إسرائيل بتعويض البعض الآخر، وتوطين العدد المتبقى فى البلدان العربية فى أراض مستصلحة عن طريق مشاريع تمولها الولايات المتحدة، فيما قوبل المشروع برفض دول عربية أبرزها مصر وسوريا.
كان هناك مشروع عام 1955، اقترحته إسرائيل بدعم بريطانى أمريكى لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فى شمال سيناء، لكنه واجه رفضًا مصريًا حازمًا، بقيادة جمال عبدالناصر، ومعارضة فلسطينية شديدة.
ألقى الرئيس الأمريكى جون كينيدى، خلال المؤتمر القومى للمسيحيين واليهود، خطابا سنة 1957، اقترح عودة من يرغب من الفلسطينيين ليعيش فى ظل الحكومة الإسرائيلية باسم «الصداقة الوفية»، وتعويض من لا يرغب منهم فى العودة، وتوطين اللاجئين الآخرين عبر القيام بمشروعات اقتصادية فى المنطقة.
أجرى عضو الكونجرس الأمريكى، هيوبرت همفرى، دراسة توثيقية سنة 1957 من خلال جولة فى الشرق الأوسط، زار فيها عددا من مخيمات اللاجئين، مؤكدا على أن حق العودة يجب ترسيخه ومساواته بحق التعويض، حيث دعت إلى مهام ومشاريع لتسهيل إعادة توطين اللاجئين فى بعض الدول العربية المحيطة بإسرائيل، وإعادة التوطين والتعويض، ووضع برنامج للتنمية الاقتصادية هو السبيل الواقعى لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
قدم الأمين العام للأمم المتحدة، داج همرشولد، ورقة إلى الجمعية العامة حملت رقم «أ/4121» اقترح فيها توطين الفلسطينيين فى الأماكن التى كانوا قد وجدوا فيها بالدول العربية المضيفة.
مشروع 1962.. قدم جوزيف جونسون، رئيس مؤسسة «كارنجى» للسلام العالمى سنة 1962، مشروعا بتوصية من لجنة التوفيق الدولية، التابعة للأمم المتحدة بشأن اللاجئين الفلسطينيين، اقترح فيه إعطاء كل أسرة من اللاجئين فرصة الاختيار بين العودة أو التعويض، مع اعتبار قيمة التعويضات الكبيرة التى ستتلقاها كبديل إذا اختارت البقاء حيث هى.
يستفيد اللاجئون الذين لم يكن لهم ممتلكات فى فلسطين من تعويض مالى مقطوع، لمساعدتهم على الاندماج فى المجتمعات التى يختارون الاستقرار فيها، وحينها رفضت إسرائيل، على لسان وزيرة خارجيتها جولدا مائير، مشروع جونسون لاستحالة عودة اللاجئين، لأن الحل على حسب قولها هو فى توطينهم جميعا فى البلدان المضيفة.
التوطين فى الأردن وأيلول الأسود.. طرح العسكرى الإسرائيلى، إيجال ألون، على مجلس وزراء الاحتلال، خطة لفرض تسوية إقليمية تهدف ترحيل فلسطينيين إلى الأردن ومصر، ولم تر النور، وحينها برزت محاولات توطين الفلسطينيين فى الأردن خلال الستينيات والسبعينيات، التى تسببت فى تصاعد التوتر بين الفصائل الفلسطينية والنظام الأردنى، وانتهت بأحداث سبتمبر/ أيلول الأسود عام 1970.
وفى عام 1970، تبنى قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلى، أرئيل شارون، خطة لتفريغ قطاع غزة من سكانه، ونقل المئات منهم لسيناء ومدينة العريش، اللتين كانتا تحت الاحتلال الإسرائيلى وقتها، ولم تنجح فى الاستمرار.
وفى 30 أكتوبر 2023، كشفت وثائق بريطانية نشرتها «BBC»، أن محاولات إسرائيل لتمرير سيناريو تهجير الفلسطينيين إلى الأراضى المصرية ليس وليد اليوم، وإنما يعود إلى عام 1971، أى قبل حرب السادس من أكتوبر المجيدة بعامين.
وبحسب الوثائق التى نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية، فإن الخطة السرية التى وضعتها إسرائيل قبل 52 عامًا كانت تهدف إلى ترحيل آلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء، حيث كان القطاع مصدر إزعاج أمنى لإسرائيل، وباتت مخيمات اللاجئين بؤر مقاومة للاحتلال فى تلك الفترة.
وفى 1993، طرح الدبلوماسى الكندى مارك بيرون، خلال رئاسته الاجتماع الخامس لمجموعة عمل اللاجئين، رؤية بلاده لحل أزمة اللاجئين مقترحا منح الهوية لمن لا هوية لهم، وتوطين الفلسطينيين فى دول اللجوء الحالية، بحيث يتمتعون بالحقوق الاقتصادية والمدنية كاملة.
وفى سنة 2000، طرح الرئيس الأمريكى الأسبق، بيل كلينتون، فكرة توطين الفلسطينيين بالخارج فى أماكن إقامتهم، وتضمن الاقتراح توطينهم فى دولة فلسطينية جديدة، أو فى الأراضى التى ستنقل من إسرائيل إلى الفلسطينيين، أو الدول المضيفة لهم، أو توطين قسم آخر فى دولة ثالثة تقبل بذلك.
كما قدم القائد العسكرى الإسرائيلى، جيورا أيلاند، مشروعا يتضمن تقديم مصر تنازلات عن أراض فى سيناء لصالح دولة فلسطينية مقترحة، مقابل امتيازات لمصر، وفشل المشروع.
وفى 2004، تكرر المشروع على يد الرئيس السابق للجامعة العبرية بالقدس، يوشع بن آريه، ولم يخرج من حيز النقاش للتنفيذ أيضا.
وفى 2006، قدمت إلينا روز لشتاين، عضو مجلس النواب الأمريكى حينها، مشروعا للكونجرس فى محاولة لصناعة قرار يدعو الرئيس الأمريكى حينها جورج بوش إلى مطالبة الدول العربية باستيعاب الفلسطينيين المقيمين على أرضها، وحل وكالة الأونروا، ومعالجة قضايا اللاجئين الفلسطينيين بواسطة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
ومع بدء ولاية «ترامب» الأولى، تمت إعادة نفس المشروع تحت مسمى جديد وهى صفقة القرن، وهو المشروع الذى تصدت له بقوة الدول العربية، مؤكدة أن فلسطين والقدس خط أحمر، ومع عودته مجددا للبيت الأبيض بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، أعاد ترامب نفس الطرح بإخلاء قطاع غزة من سكانه، وتوفير وطن بديل لهم فى مصر والأردن، وهو المشروع الذى أعلنت فيه الدول العربية «مصر والممكلة العربية السعودية والأردن» رفضهم له، مؤكدين أن الأرض ملك لأصحابها.
مصر تتصدى للتهجير..

عاهد الفروانة
من جانبه، قال عاهد فروانة، خبير فى الشأن الإسرائيلى وأحد سكان قطاع غزة: «إن موضوع التهجير فى صلب الحركة الصهوينة من قبل النكبة وفى 1948 من خلال العصابات الصهيونية، وبعدها عملت إسرائيل على تنفيذ التهجير الثانى، وشمل حوالى 900 ألف فلسطينى إلى الضفة والقطاع والدول المجاورة أو شتات العالم، وهذا موضوع حاضر فى الحركة الصهيونية.
وأضاف «فروانة»: «وفى عام 1954 و55 كان هناك محاولات لتهجير قطاع غزة لسيناء، ويومها أفشل الوطنيون الفلسطينيون هذا المشروع، وحينما حدث احتلال 1967، كان هناك مخطط للتهجير بشكل متواصل».
وأوضح «فروانة»: خلال الـ17 عاما الماضية منذ الانقسام الفلسطينى بين غزة والضفة، عمل الكيان الصهيونى على عزل قطاع غزة بالكامل، لما يمثله من ثقل ديمجرافى، لأن به أكثر من 2 مليون فلسطينى، وبالتالى يقللون من الخطر الديموجرافى عليهم.
وتابع «فروانة»: «مع بدء أحداث الـ7 من أكتوبر 2023 عادت المخططات القديمة من جديد بعد فشل سياسة العزل، وهو مخطط تهجير غزة، ونتنياهو خلال هذه الحرب دفع السكان لجنوب غزة علهم يتجهون لسيناء، ولكن نظرا للموقف المصرى القوى ووعى الشعب الفلسطينى، فشل موضوع التهجير القسرى، فبدأ التهجير الطوعى من خلال الخطة البديلة، مما جعل قطاع غزة منطقة غير صالحة للحياة.
التهجير.. نغمة معتادة
وبدوره قال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية: «ملف التهجير القسرى للفلسطينيين موضوع قديم، تتم إعادة تجديده كل فترة، ففى عام 1953 كانت خطة سيناء قد طرحتها إسرائيل، وطرحت عمليات ترحيل للفلسطينيين وفشلت الخطة، وبعد ذلك كان هناك خطة 1956 و1959».
وفى 1966 كان هناك مخططات إسرائيلية يعاد تقديمها تمثلت فى تبادل أراض أو تقسيم أراض أو طرد السكان الأصليين وتهجير الفلسطينيين خارج حدودهم.
وتابع «فهمى»: كان وراء هذه الشخصيات مجموعة جنرالات إسرائيليين وهم «برليف يهوشع بن درع، وايتان»، وآخرهم خطة جيورا ايلاند الذى طرح خطة الجنرالات فى شمال غزة، وشارون كان له خطة شهيرة فى السبعينيات، وحينها كان ضابطا صغيرا فى الجيش برتبة رائد، وكان هدف هذه الخطط الترحيل والتهجير، وإخراج الفلسطينيين من أرضيهم، وقيام إسرائيل الكبرى، وكان الحديث حينها عن أن إسرائيل صغيرة ولا بد أن تكبر وهو ذات الحديث الذى يتردد الآن على لسان ترامب أن حدود إسرائيل صغيرة، ويجب أن تتوسع وينضم لها مناطق مجاورة، مثل 235 كيلو فى الجولان والأغوار والباقورة فى الأردن.
وأكد «فهمى» أن هذه الأفكار يعاد تدويرها الآن لكن لن يكون لها أى وجود ولبد من أخذ الموضوع بجدية، خاصة أن هذه المشروعات الشيطانية تتحدى القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، ولا بد من نقل المعركة إلى الرأى العام الدولى لمواجهة مثل هذه المخططات.