صدر حديثاً الجزء الثانى من كتاب "الأطفال يسألون الإمام" لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، والذى أتيح للجمهور بجناح الأزهر بـ معرض الكتاب فى نسخته الماضية، والذى يتضمن أسئلة كثيرة تدور في ذهن الأطفال الصغار لا يستطيع الكبار الإجابة عنها أحيانًا، ظنًّا منهم أنَّ تلك الأسئلة مسيئة للعقيدة، ويطلبون منهم التوقف عن ذلك، جاءت فكرة هذا الكتاب الذي جمع فيه أسئلة الأطفال ليجيب عنها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بنفسه ليرشدهم، ويعلمهم صحيح دينهم، وتكون رسالة تربويَّة لأولياء الأمور توجههم إلى أهمية الانتباه إلى أسئلة أبنائهم الصغار، والإجابة عنها بعقل متفتح؛ بل وتشجيعهم على التفكير والتدبر في أمور العقيدة وغيرها من الأمور في الحياة.
وفى هذا التقرير نرصد أبرز أسئلة أجاب عنها فضيلة الإمام الأكبر وذلك على النحو الآتى:
لماذا خلقني الله يتيمة ؟ وهل سيحبني الله أكثر من بقية الأطفال لأنني وحيدة ليس لي أب أو أم ؟
ابنتي الحبيبة .. نعمة الخلق والإيجاد من النعم التي تستوجب على العبد الشكر، وقد ذكر الله تعالى هذه النعمة في قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجِ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان : ١، ٢] ، ولقد شرف الله كل يتيم بميلاد حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم يتيمًا ، قال عز وجل: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [ الضحى : ٦] ، فاليتم ليس منقصة ولا مذمة، والله تعالى أراد لحبيبه صلى الله عليه وسلم أن يكون يتيمًا ليكون له العون والمدد والإيواء من الله تعالى، وكذلك تصير تلك المعاني لكل يتيم؛ فإنه إذا فَقَدَ الأب فلن يفقد الرب تبارك وتعالى، فهو الذي خلق، وهو الذي يرزق، وهو الذي يئوي، كما أنه تعالى إذا منع وجود الأب من جهة التكوين، فإنه عوض ذلك من جانب التشريع؛ بأن كفل لليتيم جملة من الحقوق التي تعمل على رعايته وحفظ حقوقه، ووعد بالجزاء الوفير لمن يفعل ذلك، وكذلك حذر أشد التحذير من أكل أموال اليتامى ظلما .
أما السؤال : هل ذلك يجعل الله يحبني أكثر من غيري ؟
فإن حب الله تعالى لا يرتبط فقط بمجرد يتم الإنسان، وإنما بمدى صلاحه واتباع سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [آل عمران : ۳۱] ، فمحبة الله ترتبط بمدى صبر العبد على ما ابتلاه الله تعالى به وسعيه إلى رضاه، لكن كما ذكرنا - شرع الله تعالى العديد من الحقوق والواجبات للأيتام بما يحقق لهم الرعاية والعناية والدعم.
أشعر بالغيرة من صديقة لي؛ لأنها أجمل مني .. فهل هذا يعني أنني أحسدها ؟ وهل سيحاسبني الله على ذلك ؟
اعلمي يا ابنتي أن التفاوت بين البشر أمر طبعي، وهذا التفاوت قد يتخذ أشكالا متنوعة؛ فهناك تفاوت في الأعمار والأرزاق والفهم والثقافة، وكذلك في الأشكال والصفات، والله عز وجل له حكمة بالغة في هذا التفاوت؛ ليرى الإنسان نفسه في حالة نقص واحتياج إلى الله تعالى، وكذلك لغيره من البشر.
وعلى هذا يا ابنتي فإن رؤيتك لصديقتك أنها أجمل منك لا يعني أبدًا أنها أفضل منك، ولكن منحها الله تعالى تفضيلا في جانب ما ، وليس مجرد نظرك إليها على أنها أجمل منك يكون حسدًا ؛ لأن الحسد معناه تمني زوال النعمة عن الغير، فإذا كنت تستكثرين عليها عطاء الله وتتمنين أن يزول جمالها فهذا حسد منهي عنه، أما مجرد المقارنة فهذا ليس حسدًا ، ولن يحاسبك الله عليه طالما لم يتحول إلى سخط أو كره أو كلام يدخل في الغيبة والنميمة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن مجرد حديث النفس لا يُحاسب عليه الإنسان، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا َوسْوَسَتْ، أَوْ حَدَّثَتْ به أنْفُسَها ، ما لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ .
ولا بد من التذكير بأن الله تعالى لا ينظر إلى الشكل وإنما إلى القلب والعمل
وهنا أقدم لكم أبنائي وبناتي نصيحة مهمة لكل من يشعر بمثل هذا الشعور : توقفوا عن هذه المقارنات الجوفاء، وانظروا إلى نعم الله تعالى عليكم، فربما منح الله إنسانًا شكلا حسنًا وابتلاه بشيء آخر، وآخر منحه الله شكلاً غير حسن لكن عافاه من أمور أخرى، فكل إنسان خلقه الله في أحسن تقويم ومنحه من العطايا والنعم الكثير، مهما كان شكله أو لونه أو مستواه، والتكريم حاصل لكل بني آدم فلا تنظري لنفسك على أنك أقل من أحد بل أنت مكرمة بنعم كثيرة من الواحد الأحد .
ماذا يحدث بعد أن ينتهي العالم يوم القيامة ؟
اعلموا يا أبنائي أن الإيمان بيوم القيامة وما فيه من أحداث من أركان الإيمان، قال سبحانه: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: ١٧٧]، وجاء في حديث سيدنا جبريل عليه السلام أنه لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الإيمان قال: «أنْ تُؤْمِنَ باللهِ، ومَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ .
فبعد انتهاء العالم وإخراج الناس من قبورهم ومعاينة أهوال الحشر والحساب وتطاير الصحف والميزان والصراط ... يتنهي البشر إلى أحد حالين: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير [الشورى: ] ، فمن آمن بالله وعمل صالحًا كان من السعداء أصحاب الجنة، ومن كفر بالله وبغى وطغى فهو من الأشقياء أصحاب الجحيم.