فى متاهة رقمية بلا حدود، تولد العوالم من خوارزميات عمياء، وتتداخل الحقيقة مع الوهم في لوحةٍ من الفوضى الإلكترونية، يقف الإنسان على حافة المجهول، مُحاطًا بأطياف الذكاء الاصطناعي التي تنمو بلا رقيب أو وازع.
تخيلوا عالماً تُشكّله الأكواد أكثر من القوانين، حيث تتلاشى الحقيقة في بحرٍ من المعلومات المُضللة، وتصير العقول البشرية رهينةً لأنظمة لا يُدرك أحد من يُسيطر عليها.
في هذا الفضاء غير المُنظم، تكتب الخوارزميات مصائر الشعوب، وتُصاغ القرارات الكبرى على يد آلاتٍ لا تعرف الرحمة ولا تخضع للمساءلة، وقد تتلاشى الحدود بين الإنسان والآلة، ويصبح الوعي مُستعارًا، مُبرمجًا ليخدم مصالح خفيّة لا يعلمها إلا قلةٌ ممن يملكون مفاتيح هذا العالم الرقمي المتوحش.
إن لم نضع معايير تُلجم جموح هذا الطوفان الذكي، فقد نجد أنفسنا في عصرٍ تُقرر فيه الآلات من يعيش ومن يندثر، من يتعلم الحقيقة ومن يغرق في الوهم، حيث تتحول الإنسانية إلى مجرّد شفيرةٍ تائهة في منظومةٍ بلا قلب، بلا ضمير، بلا قانون فهل ننتظر حتى نُصبح غرباء في عالم صنعناه بأيدينا؟ أم آن الأوان لنرسم حدودًا تمنع الفوضى قبل أن تتحوّل إلى طوفان يبلع كل شيء؟
البشر في متاهة رقمية: بين الخوارزميات والواقع المشوش
المذكور سلفًا ليست رسائل قيلت من أبطال عمل فني هوليودي يدور حول الخيال العلمي وسيطرة الخوارزميات على أنماط الحياة بواسطة بعض المنظمات الحاكمة، وإنما قد يكون مستقبل قريب ومترقب في ظل تطور عالم الذكاء الاصطناعي والذي اعتبره فضاءً عشوائيًا إلى حد ما، ما يجعله أقرب إلى "الغرب المتوحش" في بعض جوانبه.
خلال الآونة الأخيرة، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حول إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي صيني النشأة يدعى "DEEP SEEK"، والذي دشنته شركة صينية ناشئة بتكلفة قليلة وميزات مجانية عديدة صنفته كأقوى منافس لنماذج الذكاء الاصطناعي الأشهر والعابرة للقارات التابعة "Chat Gpt" و"Gemni".
"DEEP SEEK": هل يفتح هذا النموذج الجديد باب الفوضى الرقمية؟
وغالبًا كان الأكثر جدلًا حول هذا الأمر، هو ما يحتويه هذا النموذج من ميزات وخصائص تتفوق على منافسيه، ولم يلتفت الكثير لما يشير إليه من خطورة تؤكد على كون الذكاء الاصطناعي والعالم الرقمي وتطور نماذجه، عالمًا مطلقًا غير مقيد بمعايير وقواعد.
فوفقًا لتقرير نشر في منصة "The Sun"، هناك تقارير ودراسات مبدئية أظهرت أن نموذج DeepSeek يقدم إجابات متحيزة تتماشى مع سياسات الحزب الشيوعي الصيني، خاصة فيما يتعلق بمواضيع مثل حقوق الإنسان وتايوان.
كما نوه مراقبون، إلى أن تطبيق DeepSeek يجمع كميات كبيرة من بيانات المستخدمين، مما يثير قلقًا بشأن إمكانية مشاركة هذه البيانات مع الحكومة الصينية.
وعلى جانب أخر، يشير بعض الخبراء نشرت تعليقاتهم عبر صحيفة الجارديان، إلى أن نجاح DeepSeek يمثل تحديًا للهيمنة الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي، ويعكس تقدم الصين في هذا المجال.
أطياف الذكاء الاصطناعي: هل نحن مجرد أدوات في عالم بلا ضوابط؟
ولعل هذه الأراء والدراسات، تؤكد مدى العشوائية التي تحيط بعالم الذكاء الاصطناعي، دون وضع معايير دولية موحدة ومحددة، ويمكن الجزم بأن الذكاء الاصطناعي أصبح فضاءً رقميًا عالميًا يحتاج إلى معايير دولية موحدة لضبط استخدامه وتطويره، ووضع قانون صارم لتنظيم الذكاء الاصطناعي يركز على الشفافية والأمان لضمان الأمن القومي للبلدان وخصوصية بيانات الأفراد والمجتمعات والحد من انتشار تزييف المعلومات وتضليل الأشخاص في مختلف الأنحاء، وكذلك ضمان التنافس العادل ومنع الاستخدامات الضارة كمثل تطوير تقنيات ونماذج غير خاضعة للإشراف والرقابة.
لاشك أن التعلم والتطور العلمي والتكنولوجي أمر هام ويجب مواكبته ولكن لا بد من فرض قيود ومعايير دولية تضمن حقوق الأشخاص والمجتمات ومن ناحيتي أتوقع أنه قد اقترب وقت التوجيهات الدولية لوضع مواثيق وقوانين وقيود محددة للذكاء الاصطناعي خاصًة في التزامن مع تطور المنافسة بين عدد من الدول في إطلاق نماذج مطورة يومًا تلو الأخر، تمامًا كما حدث في قطاعات أخرى، ومثلما تم وضع قوانين دولية للمجالات الأخرى أبرزها المجال الجوي، الفضاء الخارجي، وحتى شبكة الإنترنت العالمية في حين إطلاقها وتطورها.
مقالات ذات صلة:
من محاولات طمس الهوية إلى البيع بعقد رسمى.. كيف يستولى الذكاء الاصطناعي عليك؟
أحداث لبنان.. رسالة تحذرنا من مخاطر الإفراط في استخدام الـAI دون قيود