في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتنتشر فيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يطرح هذا التطور أسئلة جديدة حول مدى إمكانية الاعتماد على هذه الأدوات في فهم النصوص الدينية أو الحصول على الإرشاد الروحي، فالمؤمن يبحث دائمًا عن الإجابة الصحيحة عن تساؤلات الإيمان والحياة، لكن مع ظهور منصات رقمية تقدم معلومات عامة برزت مخاطر الاعتماد عليها في مجالات حساسة مثل الدين.
وتؤكد قيادات كنسية أن العلاقة المباشرة بين المؤمن والكاهن أو المرشد الروحي لا يمكن استبدالها بأية منصة رقمية، إذ تعتمد على الخبرة والتجربة والرعاية الروحية، وهي عناصر لا تستطيع التكنولوجيا محاكاتها.
التحذيرات الكنسية: لا بديل عن الإنسان
حذر الأب ثيؤفان شاكر كاهن كنيسة مارجرجس بالعجوزة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، من الاعتماد على التطبيقات التكنولوجية للحصول على الإرشاد الديني. وقال الأب ثيؤفان: "مصدر هذه التطبيقات بيانات مفتوحة المصدر وخوارزميات قد لا تعكس روح الكنيسة وتعليمها الصحيح، وقد تحمل بعض الانحرافات الفكرية أو التوجهات المغلوطة. الاعتماد عليها في قضايا مصيرية أمر غير مأمون العواقب."
وأضاف الكاهن أن الحديث المباشر مع الأب أو مع القيادات الدينية يضمن الإجابة الصحيحة المبنية على الكتاب المقدس والتعليم الكنسي والخبرة الرعوية. وأوضح أن التكنولوجيا يمكن أن تفيد في بعض المجالات، لكنها لا تصلح كبديل عن العلاقة الحية بين الإنسان والكنيسة، ولا عن دور الأب الكاهن في النصح والإرشاد الروحي.
الفتوى والذكاء الاصطناعى: حدود واضحة
من جانبه، أكدت دار الإفتاء المصرية أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعى في إصدار الفتاوى غير جائز شرعًا. ورغم التقدم الكبير الذي حققته التكنولوجيا، أشارت الدار إلى أن البرامج الرقمية لا تستطيع منافسة المرونة البشرية في مراعاة اختلاف الزمان والمكان والظروف الخاصة بكل فتوى. وأضافت أن هذه التطبيقات قد تصل إلى مستويات أداء جيدة في بعض المجالات، لكنها تبقى غير مناسبة لإصدار أحكام دينية.
وتوضح هذه التوصية أهمية الفصل بين أدوات المعلومات الرقمية والمراجع الشرعية الحقيقية، بما يحافظ على دقة الإرشاد وصحة الفهم الديني.
كلمات مفتاحية: دار الإفتاء المصرية، الفتوى، الذكاء الاصطناعى، التطبيقات الرقمية، الشريعة، الاستفتاء الديني، التعليم الديني، حدود الاعتماد.
الكنيسة الإنجيلية: القراءة المتعددة والمراجعة النقدية
وأكد القس رفعت فكرى، راعى الكنيسة الإنجيلية بروض الفرج، أن قراءة النصوص الدينية وتفسيرها لا يمكن أن تعتمد على مصدر واحد، وقال:"كل التفسيرات اجتهادات بشرية، تختلف من زمن لآخر ومن مدرسة فكرية لأخرى. بعض المفسرين يقدمون ما هو مخزون لديهم ويجمعون تفاسير منشورة وخلاصات اجتهادات لكتّاب آخرين. مثل أي مصدر آخر، يمكن الاتفاق معه أو الاختلاف، ولا يمكن الاعتماد عليه بنسبة 100%."
وأشار القس رفعت إلى أن النصوص الدينية تحتاج دائمًا إلى قراءة مستمرة وفهم جديد. وأضاف:
"المطلوب الاطلاع على كل المصادر، بما فيها الكتب والمراجع المتخصصة وحتى أدوات الذكاء الاصطناعى، ثم فلترة كل ذلك للوصول إلى رؤية شخصية واعية ومتوازنة. التعامل النقدي مع المصادر هو الطريق الصحيح، وليس التسليم المطلق بأي تفسير. النقاش الفكرى ضرورة وليس رفاهية."
التكنولوجيا بين الفائدة والحدود
وتشير التجارب الحديثة إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعى قد تكون مفيدة في مجالات البحث والتعليم وجمع المعلومات، لكنها لا تصلح لاستبدال الإرشاد الروحي البشري. فتفسير النصوص والفتوى يتطلب معرفة دقيقة وسياقًا روحيًا، وهو ما توفره الخبرة البشرية والقيادات الدينية.
ويرى خبراء الدين والتكنولوجيا أن هذه التطبيقات يمكن أن تكون أداة مساعدة، لكنها لا تستطيع أن تعطي الحكم النهائي. فالتقييم البشري المستنير يبقى ضروريًا لضمان صحة الفهم والتوجيه.
التوازن بين الإيمان والتقنية
تؤكد المؤسسات الدينية أن التوازن بين التقدم التكنولوجي والمرجعية البشرية هو السبيل الأمثل لفهم النصوص الدينية وتلقي الإرشاد الروحي. التكنولوجيا أداة مساعدة، لكنها لا تستطيع أن تحل محل الحوار الروحي المباشر، والتوجيه المبني على الكتاب المقدس، والتجربة الرعوية للقيادات الدينية.
ويبقى الاعتماد على الإنسان كمرشد، سواء كاهنًا أو قياديًا دينيًا، هو الضمان الأكثر أمانًا للحصول على إجابات دقيقة وصحيحة، بينما يظل الذكاء الاصطناعى وسيلة داعمة فقط، يجب التعامل معها بحذر ونقد.