رصدت دراسة حديثه للمركز المصرى للفكر والداراسات الاستراتيجيه، بعنوان حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي: مأزق الازدواجية الغربية ودروس دولية ومصرية للباحثه سلمى عبد المنعم، سلمى عبد المنعم التجربة المصرية في مكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال، وذلك بمناسبه اليوم العالمي لمنع الاستغلال والانتهاك والعنف الجنسي ضد الأطفال، والذي يوافق 18 نوفمبر من كل عام، وتتتجلى مسئولية المجتمع الدولي والحكومات في صون حقوق الطفولة كحق أصيل لا يُمس.
وأكدت الدراسة أن قضية استغلال الأطفال تمثل محورًا متداخلا بين الجانب المحلي والدولي، حيث تتأثر السياسات الوطنية بالخطابات العالمية حول حقوق الإنسان وحماية الطفل، في الوقت الذي تتخذ فيه بعض الدول والمنصات الإعلامية الغربية مواقف مزدوجة ، ترفع شعار حماية الأطفال لكنها تتغاضى عن الانتهاكات التي تقع داخل مجتمعاتها أو في مناطق الصراع التي تشارك فيها.
وتناولت الدراسة التجربة المصرية بوصفها نموذجا إقليميا يسعى إلى بناء منظومة متكاملة لحماية الطفل، تجمع بين التشريع، والتوعية، والمساءلة، والتعافي ،في إطار إدراك أعمق بأن حماية الأطفال من العنف والاستغلال الجنسي ليست مجرد التزام قانوني أو إجراء إداري، بل مسئولية سياسية وأخلاقية تمس جوهر استقرار المجتمعات
التجربة المصرية في مكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال
وأكدت الداراسة أن التجربة المصرية تمثل نموذجا إقليميا متميزا في بناء منظومة متكاملة لحماية الطفل من مختلف أشكال العنف، ولا سيما الاستغلال والانتهاك الجنسي.
وأولت الدولة المصرية هذا الملف أولوية خاصة في إطار استراتيجيتها الشاملة للاستثمار في الإنسان، حيث تعمل منظومة وطنية يقودها المجلس القومي للطفولة والأمومة، بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، وبدعم من منظمات دولية كـ اليونيسف ومنظمة العمل الدولية.
ورغم تنوع المبادرات الوطنية التي تستهدف حماية الطفل في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، فإن الدولة المصرية تبنت خلال العقد الأخير مجموعة من السياسات والمبادرات الموجهة تحديدا المكافحة الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع.
ففي عام 2019 تم تأسيس اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث برئاسة مشتركة بين المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة"، ونجحت حملتها «أحميها من الختان» في الوصول إلى أكثر من 76 مليون اتصال توعوي، وأسفرت عن خفض نسبة الفتيات دون 17 عاما اللواتي تعرضن للختان من 18 عام 2014 إلى 12% عام 2021، مع تسجيل 818 بلاغا تم التعامل معها ووقف 581 حالة قبل وقوعها.
كما أطلقت الدولة تطبيق "نبتة مصر" عام 2021 كمنصة رقمية للإبلاغ عن حالات تعرض الأطفال للخطر أو الاستغلال، مع ضمان سرية بيانات المبلغين وتقديم الدعم النفسي والقانوني للأسرة، بما يعزز آليات الوقاية الرقمية .
وإلى جانب ذلك، تم تفعيل خط نجدة الطفل (16000) كآلية مركزية للتدخل السريع ، حيث استقبل 86،341 بلاغا بين عامي 2019 و 2024 ، تضمنت حالات استغلال وانتهاك جنسي تم التعامل معها بالتنسيق مع الجهات القضائية، كما استقبل خط نجدة الطفل أكثر من 227 ألف مكالمة خلال النصف الأول من عام 2025
وفي إطار التوعية المجتمعية، نفذ المجلس القومي للطفولة والأمومة عدة حملات تهدف إلى الوقاية من أشكال العنف والاستغلال، من بينها «دوي» التي تستهدف الفتيات من سن 10 إلى 18 عاما لرفع وعيهن بحقوقهن وحمايتهن من التحرش والتنمر، ولسه نوارة لمناهضة زواج القاصرات، التي نجحت في إيقاف 2434 حالة زواج مبكر خلال الفترة من 2019 إلى 2024. كما أطلقت حملة «اختلافنا مش بيفرقنا» بالتعاون مع اليونيسف عام 2024 لتعزيز قيم التقبل ونبذ التمييز والتنمر، بما في ذلك الاعتداءات اللفظية أو الجنسية على الأطفال".
كما يؤكد الإطار التشريعي المصري، بدءًا من الدستور مرورا بقانون العقوبات وقانون الطفل ، حظر جميع أشكال العنف الجسدي ضد الأطفال، وتشديد العقوبات على الجرائم التي يرتكبها بالغون بحقهم. ويرسخ قانون الطفل مبدأ الحماية المعززة، مغلظا العقوبة متى كان الضحية طفلا. وفي مجال العدالة الجنائية".
ويعتمد النظام المصري مقاربة تراعي خصائص الطفولة؛ إذ يعفى الطفل الذي لم يتم الثانية عشرة من أي مسئولية جنائية، بينما يحال من هم بين 12 و 15 عاما إلى تدابير إصلاحية وتأهيلية دون جواز توقيع الحبس الاحتياطي عليهم. أما الفئة العمرية من 15 إلى أقل من 18 عامًا، فيُعامل أفرادها بصفتهم «أحداثا » ويحظر القانون الحكم عليهم بالإعدام أو السجن المؤبد أو المشدد التزاما بالمعايير الوطنية والدولية لحماية الأطفال في منظومة العدالة .
إلى جانب ذلك، عززت الدولة منظومة العدالة الصديقة للطفل بإنشاء 33 محكمة متخصصة للطفل منها أربع محاكم نموذجية مزودة بغرف استماع آمنة وتقنيات الفيديو كونفرانس »، لضمان التعامل الإنساني مع الأطفال ضحايا الجرائم الجنسية والعنف الأسري.
وتشير بيانات المجلس القومي للطفولة والأمومة إلى انخفاض تدريجي في نسب عمالة الأطفال والاستغلال الاقتصادي، بفضل توسيع نطاق وحدات حماية الطفولة في جميع المحافظات.
وتؤكد هذه الجهود أن مصر تمضي نحو بناء نموذج وطني شامل لحماية الطفل، يجمع بين الوقاية، والردع التشريعي، والدعم المجتمعي، ويرسخ لبيئة تعلي من كرامة الطفل وسلامته الجسدية والنفسية، في انسجام مع التزاماتها الدولية بموجب اتفاقية حقوق الطفل.