محمود عبدالراضى

أنا خير منه.. وهم ينهش الروح

الثلاثاء، 09 ديسمبر 2025 09:32 ص


هناك كلمة صغيرة في ظاهرها، ثقيلة في باطنها، كلمة إذا تسللت إلى القلب أفسدته، وإذا استقرت في الروح أرهقتها.

كلمة أنا خير منه، جملة تبدو كأنها درع قوة، لكنها في الحقيقة بداية انهيار صامت، يظنه صاحبها رفعة، بينما يسحبه إلى عمقٍ لا يرى فيه إلا نفسه ولا يسمع فيه إلا صدى غروره.

إن الإنسان الذي يردد تلك العبارة، صراحة أو ضمناً، يضع على روحه ثِقلاً لا يُرى، فالغطرسة ليست كبرياء، بل هشاشة متنكرة في هيئة صلابة، وضعف يلبس قناع التفوق.

وما من قلب امتلأ بالاستعلاء إلا وخسر شيئاً من إنسانيته، وما من روح رفعت نفسها فوق الآخرين إلا وانخفضت في ميزان الأيام، فالحياة لا تجامل أحداً، وتعرف جيداً كيف تضع كل نفس في مكانها الحقيقي مهما ارتفعت ادعاءاتها.

والغريب أن من يتوهم علوّاً على الناس، يكون أكثرهم حاجة لاعتراف من العالم بأنه الأفضل، يطارد أثراً زائفاً، ويقارن نفسه بكل ظلّ يراه، فيستيقظ على شعور ناقص، وينام على خوف كبير من أن يكتشفه الآخرون كما هو.

فالكبر لا يوسّع صدراً، بل يضيّقه، ولا يمنح صاحبه مكانة، بل يصنع حوله عزلة صامتة لا يختارها أحد لكنها تأتيه كنتيجة طبيعية لغروره.

إن أجمل ما في التواضع ليس أنه خلق جميل، بل لأنه يُنقذ صاحبه من نفسه، يعلمه أن كل إنسان يحمل شيئاً يستحق الاحترام، وأن التفوق الحقيقي ليس أن نقف فوق أحد، بل أن نرتفع معاً، فالقلوب لا تُفتح بالكلمات المتعالية، ولا تُكسب بالمقارنات، بل بلطف الخطوة ورقة النظرة وصدق الموقف.

وحين تأتي لحظة الحقيقة، لا يصمد المتكبر طويلاً، فالغطرسة الكذابة مصيرها معروف، تتلاشى عند أول اختبار، وتنكسر عند أول مواجهة مع الواقع.

وحده الإنسان الذي يعرف قدره دون ادعاء، ويُحسن النظر إلى غيره دون استصغار، يعيش حياة خفيفة على روحه وعلى قلوب من حوله.

إن عبارة أنا خير منه ليست حكماً على الآخرين، بل على صاحبها، وكلما نطق بها أو حملها في قلبه خسر شيئاً من نفسه، فليحذر الإنسان من كلمة قد تهدم ما يبنيه العمر كله، وليتذكر دائماً أن الارتفاع الحقيقي لا يكون على رؤوس الناس، بل فوق ضعفه وجهله وغروره.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة