وحدة العرب تحدث العجائب وتجعلنا فى الطليعة والغد سيكون أفضل
لا يخفى اسم ريكاردو كرم على أى متابع للشأن الإعلامى فى لبنان والعالم العربى، فقد رسّخ وجوده عبر لقاءاته الحوارية مع كبار الشخصيات فى مختلف المجالات، مقدما للمشاهد العربى للمرة الأولى وجوها متفردة وصلت إلى مكانة عالمية وتركت أثرا واسعا فى محيطنا الجغرافى.
وفى حوار مع «اليوم السابع»، تناول «كرم» مجموعة من القضايا المفصلية المرتبطة بالمشهدين السياسى والإعلامى، متطرقا إلى مستقبل لبنان والمنطقة العربية عقب أحداث 7 أكتوبر 2023، كما تحدّث عن واقع بيروت فى ظل التحديات السياسية والاقتصادية التى تواجهها. وإلى نص الحوار:
.jpg)
بداية نودّ أن ننطلق معك من لبنان.. باعتبارك أحد أبرز الأسماء فى الساحة الإعلامية، دعنا نبدأ من الإعلام نفسه: كيف تُقيّم المشهد الإعلامى اللبنانى اليوم؟
المشهد الإعلامى فى لبنان يشبه البلد نفسه؛ منقسم، وفى رأيى الإعلام العربى بشكل عام يعيش اليوم حالة سقوط مدوٍ؛ فأصبحنا فى عصر الإعلان وليس الإعلام، والمعلومة الخاطئة «Fake News» أصبحت مهيمنة على الساحة، لذلك أرى أن الإعلام يجب أن يكون عنده مصداقية ويتمتع بحس مهنى.
كيف تقيم المشهد السياسى فى لبنان وما هى الدروس التى خرجنا بها من بعد 7 أكتوبر؟
هناك انقسامات ولغة أحقاد وهذا شىء محزن.. والناس لديها رغبة كبيرة فى العيش بسلام ووقف الحرب، لكنها فى الوقت نفسه ترغب بأن يتم ذلك بشكل عادل، أى لا يريدون سلاما غير متكافئ.
أحداث غزة تسببت فى آلاف القتلى فيما يشبه الإبادة الجماعية ليؤكدون أننا مجرد أرقام فى نظر العالم. لكن، رغم هذا المشهد القاتم، هناك جانب إيجابى يتمثل فى تغيّر السردية. وهذه نقطة تُشكر عليها غزة لأنها أعادت الوعى إلى جيل كامل كان يجهل الكثير عن حقيقة فلسطين.
.jpg)
هل أنت متفائل بمستقبل لبنان بعد ما شهدناه من أحداث مرتبطة بحزب الله؟
حزب الله حزب لبنانى ومكوّن أساسى فى البلاد، وسيظل لاعبا سياسيا قويًا وفعالًا. حتى الآن، لم يتغير شىء فى لبنان؛ ما زال المجتمع الدولى يرفض صيغة النظام الحالية، وما زال غياب التمويل والمساعدات الكبرى يعرقل أى مشروع لبنانى واضح، للأسف مستقبل لبنان غير واضح، والغيوم الثقيلة ما زالت تغطى سماءه.
قبل أن نغادر الملف اللبنانى.. ما حقيقة الجدل المثار حول فيلم السيدة فيروز الوثائقى؟
القصة ببساطة أن فيلما وثائقيا عن السيدة فيروز أُنجز بالفعل، لكنه لم يعرض حتى الآن. لم أرغب فى الدخول فى القيل والقال، خاصة بعد وفاة زياد الرحبانى، لذلك فضّلت التريث، لكن المؤكد أن الفيلم سيظهر قريبا.
إذا انتقلنا إلى مسيرتك المهنية، سنجد حادثة معيّنة مع صاحب قناة لعبت دورا محوريا فى تغيير مسارك.. ما تفاصيل تلك القصة؟
كنت فى المصعد حين صادف أن ركب معى صاحب المؤسسة الإعلامية التى كنت أعمل فيها. نظر فجأة إلى حذائى وقال: «واو.. لابس حذاء برلوتى!» - وهى من أغلى العلامات التجارية - ثم أضاف: «بتعرف.. لما بلّشت معنا ما كان حدا يعرفك».
كان يشير بوضوح إلى أن المؤسسة هى التى أوصلتنى إلى مستوى يسمح لى بشراء حذاء باهظ الثمن. أجبته حينها: «صحيح، لكن عندما بدأت معكم، لم يكن أحد يشاهدكم، الناس باتت تتابعكم بسببى».
من تلك اللحظة، قررت إنشاء شركة إنتاج، ومنذ ذلك الوقت باتت كل مشاريعى تُنفَّذ من خلالها بكل بساطة، ولولا هذا الموقف، ربما كنت حتى اليوم أقدّم برنامجا أسبوعيا على الشاشة، وأنتظر راتبى آخر الشهر.
.jpg)
يبدو أن فى القصة قدرا كبيرا من التوفيق.. برأيك هل يستطيع أى شخص اليوم إطلاق مشروعه الخاص؟ وهل الأمر سهل؟
لا شىء سهل فى الحياة، نجاحى لم يكن وليد لحظة، فقد سافرت كثيرا فى بلدان عربية عدة، فى محاولة لبيع برنامجى لمؤسسات إعلامية، وبقيت على هذا الحال عامين كاملين دون نتيجة، قبل أن تأتى الانفراجة ويبدأ العمل.
أؤمن بأن العمل الحقيقى هو القيمة الأساسية وليس الكلام، أما عن تأسيس البيزنس اليوم، فأرى أن الفرص كبيرة ومتاحة، لكنها تحتاج إلى جهد. فى الإعلام مثلا يستطيع أى شخص اليوم إنشاء حساب على إحدى المنصات والعمل بشكل مستقل، لكن المهم هو المحتوى الذى يقدمه، اليوم نعانى من ظاهرة اللهاث وراء «اللايك» بلا مضمون، وفى المقابل، الجمهور متعطش جدا لمحتوى حقيقى يحمل قيمة.
ما إحساسك بإقامة حفل التكريم السنوى فى مصر بعد كل هذه السنوات من تأسيس المؤسسة الخاصة بك؟
هو إحساس بالرهبة، وكلما اقترب موعد الحفل أشعر بالخوف من أن تكون هناك تفاصيل غير مكتملة أو أمر أُنجز بطريقة لا ترضينى، لذلك أنا قَلِق اليوم أن يخرج الحفل أقل مما نطمح إليه، لقد بذلنا جهدا كبيرا، وأتمنى أن ينعكس هذا المجهود فى الحفل، وأن يشعر كل من يتابعه بفخر الانتماء إلى الوطن العربى والهوية العربية.
.jpg)
متى آخر مرة زرت مصر؟
كنت هنا قبل شهرين، زرتُ الإسكندرية أولا، أمضيت يومين اكتشفت خلالهما المدينة وأحببتها كثيرا، ثم عدت إلى القاهرة. أنا وزوجتى نحب مصر كثيرا.. زوجتى، بالمناسبة، متخصصة فى علم المصريات Egyptology، وتملك معرفة دقيقة ومبهرة بتاريخ مصر وحضارتها. عندما تأتى إلى القاهرة، تقصد دائما دروبها المخفية، وتزور سقارة والمتاحف، فهى شغوفة بالتفاصيل الثقافية والتاريخية للبلد. نحن نحب «مصر» بقدر ما نحب الشعب المصرى، ولدينا الكثير من الأصدقاء هنا الذين نعتز بهم كثيرا.
على ذكر محبتكم بالمصريات القديمة هل زرت المتحف الكبير؟
بالتأكيد زرته مرتين، وهو شىء غير معقول. كل مرة أَجىء إلى مصر أزور جزءا جديدا منه، لأنه يأخذ وقتا لكى تزوره بالكامل، ربما 3 أو 4 ساعات، وربما أياما، إنه يحاكى تاريخا، يحاكى شيئا عظيما جدا.. هذا ليس متحفا مصريا، هذا متحف عالمى للإنسانية كلها وما رأيته بداخله شىء بياخد العقل!
ما الكلمة التى تحب أن توجهها إلى الحكام العرب والشعوب العربية؟
أحب أن أقول لهم: تاريخ العرب مشرف جدا، والذى يجمعنا ليس اللغة فقط، فنحن تجمعنا مجموعة قيم تقوم على الإنسانية، وأتمنى من الجيل الجديد أن يبقى على هذه الإنسانية وأن نتحد، لأنه لو توحدنا ستحدث العجائب. حقيقة أتمنى أن ننجح فى أن نكون عالما واحدا، كل واحد بخصوصيته، وكل واحد طبعا مع مميزاته، لكن وحدتنا استراتيجية تجعلنا نكون فى الطليعة، ولو الكلمة للشعوب العربية، فأقول لهم: الغد سيكون أفضل.
.jpg)
الشباب والجيل الجديد ما الذى يمكن أن تقوله لهم؟
عليكم أن تفكروا بروية وأن تتثقفوا، لأن المعرفة هى سلاحنا. ولا تنشغلوا فقط بالأمور السطحية كالموضة، والرقص، فهناك أشياء أهم بكثير من ذلك.
هل ترى اختلافا فى هذا الجيل؟
أنا معجب بالجيل الجديد، لأنه ملفت، لكن فى نفس الوقت هناك قطاعات واسعة منه خفيفة، وأنا لا أفضل خوض الحياة بخِفَة، فلا بد أن يكون هناك جهد يبذله الإنسان. ولا أريد أن يُفْهَمَ من كلامى أننى ضد التسلية والانبساط، بالعكس أنا معهم، لكن فى الوقت نفسه لا أود أن أرى الجيل يَلْهَث وراء الصور والتيك توك وإنستجرام فقط، ولكن لا بد أن يعتنى بالمضمون وكل ما هو حقيقى.
