المتطوعون بمجالس الكنائس نموذج للخدمة بلا مقابل.. الكنيسة القبطية ترسخ ثقافة العطاء والمسئولية الجماعية بلائحة منظمة للعمل.. وتؤكد: امتداد لعمل الشمامسة السبعة وتكليف لخدمة بيت الله يُمنح لمن أثبت أمانته

الأحد، 07 ديسمبر 2025 07:00 ص
المتطوعون بمجالس الكنائس نموذج للخدمة بلا مقابل.. الكنيسة القبطية ترسخ ثقافة العطاء والمسئولية الجماعية بلائحة منظمة للعمل.. وتؤكد: امتداد لعمل الشمامسة السبعة وتكليف لخدمة بيت الله يُمنح لمن أثبت أمانته الكنيسة

كتب: محمد الأحمدى

فى عالمٍ تتصارع فيه المصالح وتتعقد الحسابات، تظل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تقدم نموذجًا فريدًا من نوعه في الخدمة المجانية والعمل التطوعي. فبين جدرانها العتيقة وقلوب خدامها، تتجسد روح "العطاء بلا أجر"، حيث يعمل المئات من أبناء الكنيسة في مجالسها المختلفة دون مقابل مادي، مدفوعين برغبة خالصة في خدمة الله والإنسان.

وهذه الصورة المضيئة لم تأتِ عفوية، بل صاغتها الكنيسة بلائحة رسمية أقرها المجمع المقدس عام 2013 تحت مسمى «لائحة مجالس الكنائس»، وهي أول وثيقة تنظيمية تؤطر مفهوم الخدمة الجماعية والمشاركة الشعبية داخل الكنيسة، اللائحة أعادت تنظيم العلاقة بين الكهنة والعلمانيين، وجعلت من الخدمة عملًا مؤسسيًا قائمًا على المسؤولية المشتركة والشفافية، دون أن تمس روح البذل والإيمان.

 

من الشمامسة إلى الخدام المعاصرين

وتُرجع اللائحة فكرة مجالس الكنائس إلى أصولها الرسولية، إذ تؤكد أن المجلس هو «امتداد لعمل الشمامسة السبعة في الكنيسة الأولى» الذين اختارهم الرسل في سفر أعمال الرسل ليخدموا الموائد ويفسحوا المجال أمام الكهنة لخدمة الكلمة والصلاة.
وبهذه الفلسفة الروحية، لا يُنظر إلى المجلس كهيئة إدارية جامدة، بل كامتداد لخدمة قديمة الجذور، قوامها الإيمان والاتضاع والعمل الجماعى.

وتوضح مقدمة اللائحة أن الكنيسة هي "جسد واحد" يضم الإكليروس والشعب، ولا مقام لأحدٍ دون الآخر، فالجميع شركاء في بناء الكنيسة "كلٌّ حسب موهبته ودوره". وهو ما يؤكد أن العمل التطوعي داخل الكنيسة ليس تفضّلًا من أحد، بل واجبًا روحيًا ومسؤولية مشتركة بين أبنائها.

 

خدمة تطوعية بلا مقابل

تنص المادة (13) من اللائحة بوضوح على أنه:

"لا يجوز أن يكون عضو مجلس الكنيسة من بين العاملين بالكنيسة أو أن يتقاضى أجرًا عن عمله."

بهذا النص الحاسم، تضع الكنيسة أساس الخدمة المجانية، فعضوية المجلس ليست وظيفة أو مصدر دخل، بل تكليف لخدمة بيت الله، يُمنح لمن أثبت أمانته واستعداده للعطاء.
كما تحدد المادة (12) سمات من يُرشح لعضوية المجلس، في مقدمتها "الاستعداد لتقديم تضحيات بالوقت والجهد والعطاء بروح البذل"، و"أن يكون مشهودًا له بالحكمة والاتضاع".

أى أن الخدمة الكنسية – كما تصفها اللائحة – تقوم على التضحية لا التربح، وعلى الإيمان لا الامتياز، وهي قاعدة أخلاقية تضمن نزاهة القرارات واستقلالية العمل عن أي مصالح شخصية.

 

القيادة الجماعية.. روح المشاركة

لم تكتفِ الكنيسة بوضع الضوابط، بل أرست من خلال اللائحة فلسفة جديدة تُعرف باسم "القيادة الجماعية".
ففي نموذج الهيكل التنظيمي لمجلس الكنيسة (ص 21 من اللائحة)، توضح أن العمل يتم وفق مبادئ واضحة: جماعية اتخاذ القرار والمشاركة وتوزيع المسؤوليات، وتنمية الطاقات والمواهب، وكذلك إعداد قادة جدد وصف ثانٍ للخدمة.


وبهذه الرؤية، يصبح المجلس صورة مصغرة للمجتمع الكنسي المتكامل: كهنة يوجّهون، وعلمانيون يخططون، وشباب ونساء يشاركون، وكلهم يسهمون في تطوير الخدمة بروح واحدة. إنها خدمة إدارية بوجه إنساني، تُدار بقانون ولكنها تُنبت من التزام روحي عميق.

 

من العمل إلى الرسالة

ورغم أن المجلس يُعنى بمهام إدارية ومالية، فإن اللائحة حرصت على أن يبقى العمل في جوهره خدمة روحية. فهي تصف الأعضاء بأنهم "مشهود لهم، يعملون بروح الفريق الواحد، من أجل مجد المسيح وخلاص النفوس".


ولذلك، يتعامل أعضاء المجلس مع مهامهم كرسالة لا كوظيفة؛ يقضون ساعات طويلة في متابعة المشاريع الهندسية، أو تنظيم أنشطة اجتماعية، أو مراجعة الميزانيات، دون أن ينتظروا جزاءً من أحد سوى البركة.

وفى بعض الكنائس، تجد مهندسًا يدير لجنة هندسية مجانًا، أو محاسبًا يراجع حسابات الكنيسة دون مقابل، أو طبيبًا ينسق خدمة علاجية للفقراء. هؤلاء جميعًا ينتمون إلى فكرة واحدة: أن الخدمة في الكنيسة عطية تُقدَّم، لا مكسب يُحصَد.

 

ثقافة جديدة فى الكنيسة المصرية

وبهذه اللائحة، نقلت الكنيسة القبطية الخدمة من إطار الاجتهاد الفردي إلى ثقافة مؤسسية قائمة على الشفافية والمحاسبة، لكنها في الوقت نفسه حافظت على بعدها الروحي والإنساني.


فالكنيسة لا تفرض أجرًا ولا مكافأة، بل تُكافئ الخادم بالمحبة والثقة والتقدير.
ومن خلال هذه المجالس، صارت الخدمة مساحة للشركة بين رجال الدين وأبناء الشعب، وميدانًا لتجسيد القيم الإنجيلية في العطاء والمسؤولية.
هكذا تبدو الكنيسة القبطية وهي تُعيد تعريف الخدمة في زمنٍ باتت فيه الماديات تسيطر على تفاصيل الحياة.
فمن خلال لوائحها وقوانينها، تبني الكنيسة نموذجًا روحيًا للشفافية والمشاركة، وتُثبت أن العطاء الصادق لا يحتاج إلى راتب، بل إلى قلبٍ ممتلئ بالإيمان "إنهم حقًا خدام بلا أجر.. لكن بأجرٍ في السماء".
 

 

 

أعضاء المجلس
أعضاء المجلس

 

عضوية مجلس الكنيسة المادة 13 فى اللائحة
عضوية مجلس الكنيسة المادة 13 فى اللائحة

 

مبدأ القبادة الجماعية
مبدأ القيادة الجماعية

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب