"رسامة الشماسات".. ملف يعود للواجهة بعد واقعة كندا.. والكنيسة تحسم: ما حدث "كأن لم يكن".. تاريخ من القرون الأولى وينتهى بقرارات 2010: ماذا تقول الوثائق؟.. البابا شنودة الثالث أعاد الخدمة بعد توقفها قرون بضوابط

السبت، 06 ديسمبر 2025 06:00 م
"رسامة الشماسات".. ملف يعود للواجهة بعد واقعة كندا.. والكنيسة تحسم: ما حدث "كأن لم يكن".. تاريخ من القرون الأولى وينتهى بقرارات 2010: ماذا تقول الوثائق؟.. البابا شنودة الثالث أعاد الخدمة بعد توقفها قرون بضوابط "رسامة الشماسات".. ملف يعود للواجهة بعد واقعة كندا

كتب: محمد الأحمدى

البابا تواضروس: الخدمة الكهنوتية للرجال فقط والمرأة مكرسة دون رسامة

الأنبا أغاثون: رفض رسامة النساء حفاظًا على تقاليد الكنيسة

وخبير كنسى يكشف مخالفة إيبارشية أوتاوا للوائح 

لم يكن أحد يتوقع أن تثير بضع صور ومقاطع فيديو التُقطت داخل كنيسة فى كندا كل هذا الجدل، فهو مشهد لفتيات صغيرات يرتدين زيًا أبيض داخل الهيكل، يتقدمن نحو المذبح وسط طقس بدا للكثيرين وكأنه "رسامة شماسات"، كان كفيلًا بإعادة فتح واحد من أكثر الملفات حساسية داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

وفجأة بدأت الأسئلة حاضرًا بقوة: هل تسمح الكنيسة برسامة المرأة؟.. هل هناك حدث غير مسبوق؟.. أم أن ما حدث كان مجرد خلط بين طقس التكريس ودرجة الشماسية الكهنوتية ؟

وبين دهشة البعض وتساؤلات آخرين، لم يكن النقاش مجرد جدل لاهوتي، بل سؤال عميق عن حدود خدمة المرأة فى الكنيسة، وعن هوية الطقس القبطى، وعن أين يبدأ التكريس وأين تنتهي الرسامة، ومع اتساع الجدل على مواقع التواصل، كان على الكنيسة أن تتدخل سريعًا لاحتواء الموقف وإغلاق الباب أمام التأويلات، وهكذا تحركت المؤسسة الكنسية لتعيد ضبط المفاهيم وتوضح بجلاء أين يقف التقليد، وكيف يقرأ التاريخ، وما الذي جرى بالفعل.

 
رسامة شماسات فى كندا
رسامة شماسات فى كندا


الأزمة الأخيرة.. واقعة كندا التى أعادت الملف إلى السطح
 

واندلع الجدل عندما ظهرت الصور والفيديوهات الصادرة من إحدى كنائس إيبارشية أوتاوا ومونتريال وشرقي كندا، حيث بدا أن مجموعة من الفتيات حصلن على رسامة داخل الهيكل. انتشر المشهد انتشار النار في الهشيم، وتعددت القراءات بين من اعتبرها خطوة جديدة نحو رسامة المرأة، ومن رآها خروجًا عن تقليد الكنيسة.

رسامة شماسات
رسامة شماسات
ومع اتساع النقاش، اجتمعت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، وبحضور نيافة الأنبا بولس أسقف الإيبارشية، لتخرج بقرار حاسم وواضح: اعتبار ما حدث كأنه لم يكن. وهو تعبير قانونى فى لغة الكنيسة يعني أن الإجراء لا يُعترف به، ولا ينتج أثرًا طقسيًا، وكأنه لم يحدث.

ثم جاءت خطوة رعوية هادئة، حين وافق قداسته على طلب الأنبا بولس قضاء فترة خلوة روحية بدير البرموس طوال صوم الميلاد، كرسالة تهدف إلى تهدئة المشهد، وحفظ سلامة التعليم، ومنع أي انقسام داخل الشعب القبطي سواء في مصر أو المهجر.

 
بيان المجمع المقدس
بيان المجمع المقدس


جذور الملف.. من الكنيسة الأولى إلى اختفاء الخدمة فى القرن الثالث عشر

وبعد تهدئة الأزمة، عاد كثيرون إلى التاريخ بحثًا عن جذور ما يسمى بـ "رسامة الشماسات"، وتكشف دراسة الكنيسة الأولى أن النساء كن يعملن فى أدوار خدمية مهمة، خاصة أثناء معمودية النساء فى زمن كانت فيه الكنيسة تقسم الرجال والنساء داخل أماكن العبادة، فيُسند للكاهن الجانب الطقسي بينما تساعد الشماسات النساء في مراحل المعمودية التى تتطلب خصوصية.

وشاركت الشماسات فى خدمة الأرامل والفقراء، وتنظيم حركة دخول السيدات للصلاة، وكانت لهن أدوار اجتماعية وروحية معتبرة. لكن هذه الخدمة — رغم أهميتها — لم تكن درجة كهنوتية، ولم تُمارس بوضع اليد، ولم تدخل أي شماسة إلى المذبح.

ومع تغير الظروف وتطور شكل المجتمع القبطي، بدأت خدمة الشماسات تتراجع تدريجيًا حتى اختفت بالكامل في القرن الثالث عشر، وظلت مجرد ذكر تاريخي في الكتب، بينما توقف العمل بها على أرض الواقع لعدة قرون.

 
كتاب الشمامسة والشماسات
كتاب الشمامسة والشماسات
خدمات الشماسات فى الكنيسة
خدمات الشماسات فى الكنيسة للأنبا متاؤوس 

القرن العشرون.. البابا شنودة الثالث يعيد الخدمة لكن بصيغة جديدة

وعاد الملف إلى الحياة من جديد عام 1981، وفقا لمقال بمجلة الكرازة فى ذلك الوقت حصل اليوم السابع على صورة منه حيث أعاد البابا الراحل شنودة الثالث ظهور طقس "الشماسات" برسامة أول مجموعة فى عيد العنصرة. 

ولأجل هذا أصدر لائحة دقيقة تحدد سن الشماسة، ووظائفها، ومكان وجودها داخل الكنيسة، وأكد أن الشماسات لا يدخلن الهيكل، ولا يرتدين زي الشمامسة الذكور، ولا ينلن وضع اليد الكهنوتي. ثم جاءت تعديلات عام 2010 لتزيد من إحكام اللائحة وتغلق الباب أمام أى اجتهادات فردية، وكان هدف البابا شنودة إحياء خدمة روحية راسخة، دون المساس بجوهر العقيدة أو درجات الإكليروس.

 
قرار البابا شنودة بشأن رسامة شماسات فى مجلة الكرازة المرقسية
قرار البابا شنودة بشأن رسامة شماسات فى مجلة الكرازة المرقسية


قداسة البابا تواضروس الثانى.. مقال "مفاهيم كنسية" يضع النقاط فوق الحروف

وبعد أزمة كندا، نشر قداسة البابا تواضروس الثاني مقالًا مهمًا في مجلة الكرازة بعنوان "مفاهيم كنسية"، أعاد فيه التأكيد على رؤية الكنيسة الواضحة:
المرأة خادمة، ومكرسة، وشريكة فى كل مجالات التعليم والرعاية والخدمة الاجتماعية، لكن درجات الكهنوت — بما فيها الشماسية الكهنوتية — هى درجات للرجال فقط.
وأوضح قداسته أن ما يمارس اليوم في الكنيسة هو «تكريس للخدمة» وليس «رسامة»، وأن الخلط بين المصطلحين يؤدي إلى بلبلة الشعب، وأن الكنيسة حريصة كل الحرص على تكريم المرأة مع الحفاظ على ثبات الإيمان.

 
قال قداسة البابا تواضروس الثانى
مقال قداسة البابا تواضروس الثانى


الأنبا أغاثون.. قراءة عقائدية فى الملف

وجاء صوت الأنبا أغاثون ليقدّم رؤية تأصيلية دقيقة. وفي تعليقه على الأمر، أوضح أن الكهنوت — منذ العهدين القديم والجديد — ناله الرجال فقط، وأن السيد المسيح اختار الرسل من الرجال ليحملوا سر الإفخارستيا وسائر الأسرار.

كما أشار إلى أن العذراء مريم نفسها، رغم قدسيتها الفائقة، لم تُمنح أي درجة كهنوتية، وهو ما يقطع بأن المعايير ليست تمييزًا بين الرجل والمرأة، بل تخصيصًا لمهام مرتبطة بسرّ الكهنوت.

وأكد الأنبا أغاثون أن قوانين الرسل تمنع وضع اليد على النساء، وأن أي محاولة لتحويل تكريس الشماسات إلى رسامة تُعد خروجًا عن التقليد الرسولي الذى تسلمته الكنيسة عبر الأجيال.

 
رسامة الشماسات فى الكنيسة الجزء الأول للأنبا أغاثون
رسامة الشماسات فى الكنيسة الجزء الأول للأنبا أغاثون


خبير كنسى.. لماذا يتكرر الجدل ؟
 

ويقول الباحث فى الشأن الكنسى كريم كمال فى تصريحات خاصة لليوم السابع إن سبب تكرار هذا الجدل يعود إلى الخلط بين التكريس والخدمة من ناحية، وبين الرسامة الكهنوتية من ناحية أخرى. ويضيف أن البابا شنودة أعاد إحياء خدمة الشماسات ضمن حدود واضحة، بينما حدث في كندا خلط في الزي والطقس والمسمى، مما جعل التدخل الكنسي واجبًا.

ويرى كمال أن المرأة القبطية تؤدي بالفعل دورًا هائلًا فى الكنيسة، سواء فى التعليم أو الخدمة أو العمل الاجتماعى، وأن هذا الدور لا يحتاج إلى إدخالها فى درجات الإكليروس، لأن الخدمة ليست مرتبطة بالرتب، بل بالمحبة والوفاء والدعوة.

الباحث كريم كمال
الباحث كريم كمال

الموقع الرسمى للكنيسة

وفى موازاة البيان الرسمي حول واقعة كندا، كان الموقع الرسمى للكنيسة القبطية نشر توضيح المبدأ الكنسى بخصوص دور المرأة، فالكنيسة تؤكد أن الفتاة المكرسة تُعتبر شماسة بالفعل، ولكن بنظام يختلف عن الرسامة الكهنوتية الكاملة، إذ يُكتفى بمنحهن بركة وضع اليد على الكتف، وليس على الرأس كما يحدث مع رسامة الشمامسة والآباء الكهنة والأساقفة.

كما يشير الموقع إلى أن السيد المسيح — رغم تكريمه العظيم للمرأة — اختار تلاميذه من الرجال ليحملوا مسؤولية الخدمة الكهنوتية، بينما احتفظت المرأة بدور روحى محورى تجسد في السيدة العذراء مريم ومن بعدها نساء كثيرات ذكرهن الكتاب المقدس.

 
الموقع الرسمى للكنيسة
الموقع الرسمى للكنيسة


بين التاريخ والعقيدة… الكنيسة تكتب موقفًا لا يتغير

وبعد مرور الأزمة وعودة النقاش إلى مساره الصحيح، تبدو الصورة أكثر وضوحًا وهى أن الكنيسة لا تعادي خدمة المرأة، بل تحتضنها وتفتح أمامها أبوابًا واسعة، لكنها ترفض بحزم تحويل التكريس إلى رسامة، ومنذ الكنيسة الأولى مرورًا بعصر البابا شنودة وصولًا إلى البابا تواضروس، ظل الخط واحدًا لا يتبدل: الكهنوت للرجال، والخدمة للجميع.

ويبقى الملف درسًا جديدًا يؤكد أن الكنيسة، مهما تغيرت الظروف، تبقى وفية لتقليدها الرسولى، تحافظ على نقاء طقسها، وتفتح قلبها لكل خادم وخادمة يعملان في كرم المسيح، كلٌ في موضعه الذى سُلّم عبر الأجيال. 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب