خالد دومة يكتب: على مائدة التشريح

السبت، 06 ديسمبر 2025 10:00 ص
خالد دومة يكتب: على مائدة التشريح خالد دومة

يجب أن نعرف أننا لسنا ملائكة، تتجول على أرض الحقيقة، التي لا تقبل متناقضات، ولا تعترف بغير جانب واحد فُطرت عليه، وهوية واحدة جُبلت عليها، فهي خيرية لأنها من نور، فلا سبيل للظلام فيها، أو على حدود أطرافها، وليس كذلك الإنسان فلا طبيعته تصوغ له أن يكون ذلك الملائكي، الذي يعمل، ولا تسول له نفسه خطأ ما، فالعيب أن نتبرأ من ذلك التكوين الأدمي، المعجون من طين الأرض، التي تشق في أوردة وشرايينه دماء، تحملها تيارات نفسية وعصبية، تجعله ذلك المخلوق الواقف بين جنة ونار، بين تيارين يجذب كل منها الأخر إلى عالمه، ويصارع بين القوتين، ويجدف مع التيار حينا، وضده أحيانا، ولا سبيل للأنجراف الكلي إلى أحداهما، حتى يصير ذلك الصميم في أحدهما، وتتغير طبيعته أو تتحول، إنما هو يقترب ويبتعد، وبين جوانحه الضدين.

فلا يجب أن يخرج علينا من يدعي الفضيلة الخالصة، وأنه لا نصيب له من الشر، يحمله بين تيارات دمه المتدفقة الناصحة، فهناك نصيب من ذلك الشر الكامن، الذي قد يكون أفلح في كبح جماحه في نفسه، وأنزوى لقمعه، ففي وسعنا هنا أن نقف أمام أنفسنا عرايا، أمام التشريح، نعترف ولا نجهل من أنفسنا نحن المستحيل الذي يخرج بنا من تكوين إلى أخر، ومن طبيعة إلى أخرى، فتلك المواجهة هي ما تجعلنا نفهم نفوسنا في النور، نحلل على حده، ونشرح ونستخدم مباضعنا في النفوس قبل اللحوم والأجساد، فنعلم ما خفي لنستدل به على معرفة التغيرات التي تطرأ.

وليس هنا مجال للمفاخرة، ولكنه درس في فهم الإنسان كل، لا يتجزأ، نفهم العوارض والنقائص كما نفهم الأركان والكمال، فنراه حقيقة أو كما هو، لا كما تمليه علينا غشاوة التفاخر والأنانية، فنخطئ في المعرفة، ويترتب عليه أخطاء أفدح تسوقنا إلى جهل، ونتائج بعيدة عن الحقائق، فالعيب أن نتغاضى عن العيب، لنظهر بمظهر الخالي من العيوب، فمواجهة العيوب تساعدنا على تلافيها والإبتعاد عنها، ومعالجتها والفرار منها يجعلها تتأصل فينا، حتى تصبح هي الأساس، فتصير عرفا إنسانيا مباحا، بعد أن كانت عيبا، لا يليق بفعل الإنسان، الذي يسعى نحو الخير، تاركا الشر، دافعا إياه برغم من أثره العميق في نفسه.  




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة