اختتمت فعاليات الملتقى الدولي الحادي عشر للرابطة العربية لعلوم الإعلام والاتصال، الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت تحت عنوان "نحو رؤية مشتركة لعلوم التواصل في زمن الذكاء الاصطناعي" في رحاب الجامعة اللبنانية يومي 4و 5 ديسمبر 2035. وقد أثمر الملتقى، الذي جمع نخبة من الأكاديميين والخبراء، عن توصيات تأسيسية تُعد بمثابة خارطة طريق للمجتمع البحثي والإعلامي العربي لمواكبة التحولات الجذرية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي (AI).
مشاركة رفيعة وتكريم للإسهام الأكاديمي
تميزت هذه الدورة بمستوى رفيع من المشاركة العربية والدولية، حيث اجتمع باحثون من لبنان، والمغرب، وفرنسا، وعدد من الدول العربية، إلى جانب ممثلين عن مؤسسات إعلامية وجامعات كبرى. وقد أكدت هذه المشاركة الواسعة على الأهمية المتزايدة للرابطة كمنصة أكاديمية عابرة للحدود، تسعى لتوحيد الجهود البحثية وتعميق الحوار حول القضايا المعرفية المشتركة.
شهدت جلسة الافتتاح تكريماً شاملاً للرواد والمؤسسات، حيث تم منح درع التميّز في البحث العلمي لعام 2025 لعدد من الباحثين العرب والدوليين. وقد تم تكريم كل من: الدكتور محمد عبدالوهاب العلّالي من المغرب، رئيس المركز الدولي لدراسات الإعلام والتنمية، البروفيسور إيميريـت برتراند كابيدوش من فرنسا، والدكتورة تقديراً لإسهاماتهم الأكاديمية النوعية. كما شملت التكريمات شخصيات أكاديمية وداعمين للرابطة.
دعوة لتجاوز قصور النظريات التقليدية
شهد الملتقى مناقشة معمقة لأكثر من 50 ورقة بحثية. وقد شكّلت مداخلة الدكتور العلّالي في اليوم الثاني، المعنونة: "استعصاء النظريات التقليدية للبحث في علوم الإعلام والاتصال في العالم العربي وتحولات الذكاء الاصطناعي"مساهمة في إثراء أعمال هذا الملتقى.
تطرقت المداخلة إلى التناقض الجذري بين الأصول المعرفية الغربية للنظريات الإعلامية (مثل نظريات شانون وويفر الكلاسيكية) والواقع السياسي والاجتماعي العربي المعاصر. وشددت على أن النظريات التقليدية باتت تعاني من "قصور تفسيري" في فهم الظواهر الإعلامية الجديدة التي أنتجها الذكاء الاصطناعي، مثل الرقابة الخوارزمية، وتحديات السيادة الرقمية، وحراسة البوابة الآلية. ودعا العلّالي إلى ضرورة بلورة إطار نظري مركب وتحليلي ذاتي عربي، قادر على فهم ديناميكيات التضليل الإعلامي والخطاب السياسي والتحكم في البيانات الضخمة ضمن سياق المنطقة العربية.
نحو ميثاق أخلاقي وتحول تعليمي
أكدت التوصيات الختامية على ضرورة إحداث نقلة نوعية شاملة في قطاعي الإعلام والتعليم العالي لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي. ومن أهم هذه التوصيات:
التطوير الأكاديمي: الإلحاح على تحديث مناهج علوم الإعلام والاتصال في الجامعات العربية بشكل جذري، وإدراج مواد تدريبية متخصصة في الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحليل البيانات الضخمة.
الأخلاقيات والسيادة الرقمية: الدعوة لوضع ميثاق أخلاقي موحد لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في الاتصال والإعلام على المستوى العربي، والعمل على تشكيل شبكات بحثية عربية متخصصة في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لضمان "السيادة الرقمية" والحفاظ على القيم الصحفية.
التعاون البيني: تكثيف التعاون بين الجامعات ووسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية لتطبيق نتائج البحث العلمي وبناء نماذج إعلامية تخدم التنمية المستدامة.
وبهذا الاختتام، يرسخ الملتقى الحادي عشر مكانته كملتقى فكري ريادي، ويؤكد على دور بيروت المتجدد كعاصمة فكرية للإعلام العربي، داعياً إلى العمل المشترك والممنهج لمواجهة التحديات المعرفية والتكنولوجية بوعي وأدوات بحثية مناسبة.