شهدت العلوم الحديثة طفرة نوعية بفضل التقاء التخصصات، ويقف التفاعل بين تقنيات النانو والطب النباتي كأحد أبرز ملامح هذا التطور، فقد تحولت المركبات الطبيعية، التي كانت تُستخلص بطرق تقليدية تتسم بكفاءة محدودة، إلى مواد فائقة الأداء بفضل تقنية النانو التي تعمل على مقياس الذرات والجزيئات (1 إلى 100 نانومتر).
قدمت الدكتورة حنان عبدالكريم غنام، الباحثة بقسم بحوث تكنولوجيا الحاصلات البستانية في معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية بمركز البحوث الزراعية، تقريراً وافياً يسلط الضوء على الدور المحوري لتقنيات النانو في تعزيز استخلاص وامتصاص واستهاف المركبات النباتية، ليصبح "الدواء الذكي من الطبيعة حقيقة علمية ملموسة."
النانو تتغلب على تحديات الاستخلاص القديمة
لطالما مثّل استخلاص المركبات النشطة بيولوجياً من النباتات الطبية، مثل الفلافونويدات والقلويدات والتربينويدات، تحدياً كبيراً بسبب حساسيتها وفقدان فعاليتها.
وهنا، تتدخل تكنولوجيا النانو لتحدث تحولاً جذرياً عبر محاور عدة:
1. تعظيم كفاءة الاستخلاص: لم يعد الأمر مقتصراً على المذيبات التقليدية. فقد أتاحت الجسيمات النانوية (مثل أوكسيد الحديد، الذهب، السيليكا) طرقاً مبتكرة مثل:
* الاستخلاص المغناطيسي: حيث ترتبط الجسيمات النانوية بالمركبات المستهدفة ليتم فصلها بسهولة مغناطيسياً.
* المذيبات الذكية: تصميم مذيبات نانوية تستهدف مركبات محددة بدقة فائقة، مما يرفع من نقاوة المستخلص.
2. الحفاظ على الاستقرار الكيميائي: لمعالجة حساسية بعض المركبات للحرارة والأكسجين، تُستخدم تقنية الكبسلة النانوية لحماية هذه المكونات من التحلل أثناء مراحل الاستخلاص والتخزين، مما يضمن وصولها بفعالية كاملة.
3. استدامة بيئية: تساهم تقنيات النانو في تقليل الحاجة إلى المذيبات العضوية الملوثة والخطيرة التي تستهلكها الطرق التقليدية، واستبدالها بمذيبات خضراء أو مائية، ما يعزز من مفهوم الكيمياء الخضراء.
ما بعد الاستخلاص: الدواء النانوي الموجه
لا يقتصر دور النانو على تحسين الاستخلاص، بل يمتد إلى ما بعده لضمان وصول المركب النباتي إلى هدفه بأقصى كفاءة:
* النقل الموجه (Targeted Delivery): تُحمل المركبات النباتية على جسيمات نانوية مصممة لتوجيهها مباشرة إلى الخلايا المصابة، كخلايا السرطان، لزيادة الفعالية وتقليل الآثار الجانبية على الأنسجة السليمة.
* زيادة التوافر البيولوجي: مركبات طبيعية مثل الكركمين تعاني من ضعف في الامتصاص. لكن الكبسلة النانوية تحسّن من استقرارها وامتصاصها داخل الجسم بشكل كبير.
* التحكم في الإطلاق: تتيح هذه التقنية إطلاق المادة الفعالة داخل الجسم ببطء واستمرار، مما يطيل من مدة التأثير الدوائي ويحسن من نتائج العلاج.
قصص نجاح من الطبيعة: الكركم، الشاي الأخضر والزنجبيل
قدمت غنام أمثلة تطبيقية تبرهن على فعالية هذا التكامل:
* الكركمين (Curcumin): تم استخدام تقنيات مثل النانوكبسلة باستخدام الليبوزومات أو النانوجيل لتحسين امتصاص وفعالية هذا المركب الحيوي الموجود في الكركم.
* الشاي الأخضر (EGCG): تم تحميل مضاد الأكسدة القوي (EGCG) على نواقل نانوية بوليميرية لزيادة دقة استهدافه للخلايا السرطانية.
* الجينجيرول (Gingerol): ساهم استخدام المستحلب النانوي (Nanoemulsion) في تقليل أكسدة هذا المركب المستخلص من الزنجبيل وتحسين توزيعه داخل الجسم.