تحول خطاب جماهيرى لجمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية، فى السادس والعشرين من أكتوبر 1954، إلى لحظة فاصلة فى تاريخ مصر الحديث، بعدما دوت ثمانى طلقات نارية باتجاهه، أطلقها محمود عبد اللطيف، الذى أثبتت التحقيقات انتماءه إلى الجهاز السرى لجماعة الإخوان الإرهابية.
منذ تلك اللحظة، لم يعد حادث المنشية مجرد "محاولة اغتيال فاشلة"، بل صار وفق الوثائق الرسمية عنوانًا لمحاكمة كبرى أدانت التنظيم، وكشفت عن بنية عنيفة داخل الجماعة، امتدت جذورها إلى سنوات ما قبل ثورة يوليو.
وتشير تقارير صحفية أرشيفية إلى أن مجلس قيادة الثورة، برئاسة جمال عبد الناصر، اجتمع بعد الحادث بأيام، وقرر تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين باسم "محكمة الشعب"، وتولى رئاستها جمال سالم، بعضوية أنور السادات وحسين الشافعى، فى سابقة دالة على اعتبار القضية تهديدًا مباشرًا لثورة يوليو نفسها.
أظهرت التحقيقات أن محاولة اغتيال عبد الناصر لم تكن فعلًا فرديًا منعزلًا، بل جزءًا من "مؤامرة كبرى" تضمنت خطة لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة وعدد كبير من ضباط الجيش يصل إلى نحو 160 ضابطًا، بهدف الاستيلاء على الحكم.
اعتمدت المحكمة فى توجيه الاتهامات على انتماء المنفذ، محمود عبد اللطيف، إلى الجهاز السرى للإخوان، وعلى شبكة من العلاقات التنظيمية التى ربطته بعدد من القيادات، لتتحول القضية إلى محاكمة لجماعة بكاملها، لا لمتهم فرد.
وأصدرت "محكمة الشعب" أحكامًا بالإعدام على عدد من قيادات الجماعة، بينما خففت بعض أحكام الإعدام إلى السجن المؤبد، وفى جوهرها، لم تكن الأحكام مجرد عقاب جنائى، بل إدانة سياسية وقانونية لجماعة وُصفت – رسميًا وإعلاميًا – بالتنظيم الذى يستخدم العنف والإرهاب السياسى وسيلة للوصول إلى السلطة.
تستند صورة الإدانة إلى ما هو أبعد من حادث المنشية نفسه، إذ تكشف دراسات تاريخية عن مسار طويل من العمل المسلح ارتبط بما عُرف بـ"النظام الخاص" أو الجهاز السرى لجماعة الإخوان، الذى تورط فى سلسلة من الاغتيالات والأعمال العنيفة فى الأربعينيات، من بينها اغتيال المستشار أحمد الخازندار، ثم اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى.
هذا السجل العنيف جعل حادث المنشية يُقرأ كحلقة جديدة فى سلسلة، لا كاستثناء مفاجئ، ورسخ فى الوعى العام صورة تنظيم يمتلك جناحًا سريًا مسلحًا، يتحرّك بمنطق "دولة داخل الدولة"، ويسمح باستخدام القتل السياسى لتحقيق أهدافه.