تشهد السواحل المصرية وعدد من المناطق الداخلية حالة من الترقب مع نوة قاسم، التى تعد من أشهر النوات الموسمية وأكثرها تأثيرًا فى مصر، نظرًا لما تحمله سنويًا من موجات طقس مضطربة تشمل أمطارًا رعدية ورياحًا قوية وارتفاعًا ملحوظًا فى الأمواج.
ومع أن النوات الخريفية تشكّل جزءًا من الطبيعة المناخية للبلاد، إلا أن نوة قاسم على وجه الخصوص تحمل تاريخًا طويلًا من التأثيرات الحادة التى جعلت اسمها يرتبط بالتحذيرات والاستعدادات الاستثنائية كل عام.
من جانبه أكد الدكتور محمد على فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ، أنه بداية من الخميس وحتى الإثنين ستشهد البلاد تقلبات جوية قوية للغاية بالتزامن مع بداية النوة، التى تعد آخر وأقوى نوات الخريف.
وأضاف فهيم أن السواحل الشمالية ستكون الأكثر تأثرًا كعادتها، خاصة الإسكندرية ومطروح، إلى جانب مدن القناة وشمال الصعيد، مرورًا بالوجه البحري والقاهرة وسيناء بدرجات متفاوتة من الأمطار والنشاط الرياحي.
نوة قاسم فى الذاكرة المناخية المصرية
وتعرف نوة قاسم فى الذاكرة المناخية المصرية بأنها نوة شديدة الرياح، ذات هواء جنوبى غربى قوى، غالبًا ما يتطور إلى عواصف في بعض المناطق الساحلية، وتمتد فترة تأثيرها عادة من 4 إلى 8 ديسمبر، أى فى نهاية الخريف وبداية الشتاء تقريبًا.
وتتسم هذه الفترة باضطراب واضح فى حركة البحر، حيث ترتفع الأمواج إلى مستويات تعيق الملاحة تمامًا وتؤدى إلى توقف الصيد في معظم الموانئ، وهو ما يدفع الموانىء البحرية إلى إصدار تنبيهات مبكرة للصيادين لتأمين مراكبهم ومعداتهم.
ويرجع اسم النوة وفق الروايات البحرية القديمة إلى حادث غرق ابن أحد الصيادين يدعى "قاسم"، ما جعل النوة تنسب إليه وتبقى مرتبطة باسمه حتى اليوم..
ولا تقتصر مؤشرات النوة على التنبؤات العلمية فقط، بل إن للصيادين خبراتهم الطويلة فى قراءة العلامات التى تسبقها، إذ يلاحظون عادة هياجًا غير معتاد للنورس مع اقترابها، وظهور هالة حمراء حول الشمس وقت الغروب، بالإضافة إلى تغير مفاجئ فى اتجاه الرياح إلى الغربية أو الجنوبية الغربية، وارتفاع ملحوظ فى ظاهرة الشهب ليلًا، وعلى الرغم من أن هذه العلامات تحمل طابعًا شعبيًا، فإنها تكررت تاريخيًا بما يكفى لتصبح جزءًا من تراث الصيد على السواحل المصرية.
الوقائع السابقة التى شهدتها البلاد
وتكتسب نوة قاسم سمعتها القوية من الوقائع السابقة التى شهدتها البلاد خلال أعوام مختلفة، ففي عام 2018 على سبيل المثال، تسببت النوة في خسائر ملموسة شملت انهيارات في بعض الطرق، وغرق أجزاء من الإسكندرية، إلى جانب وقوع ضحايا. بينما شهد عام 2021 موجة أمواج عالية تجاوز ارتفاعها خمسة أمتار، أدت إلى تحطيم أجزاء من الكورنيش والمنشآت الساحلية، و هذا التاريخ جعل النوة في بؤرة اهتمام أجهزة الدولة التى بدأت بالفعل استعداداتها للتعامل مع أى طارئ قد ينتج عن الحالة الجوية.
وتحمل النوة تأثيراتها كذلك إلى المناطق الزراعية، حيث يمثل سقوط الأمطار المتزامن مع الرياح الشديدة تحديًا للمزارعين في الوجه البحري وشمال الصعيد.
ضرورة ضبط مواعيد الرى
شدد الدكتور محمد على فهيم رئيس مركز معلومات تغير المناخ، على ضرورة ضبط مواعيد الرى، ومنع أي عمليات ري قبل الحالة بـ 48 ساعة، بهدف حماية جذور النباتات من التعفن نتيجة تشبع التربة بالمياه، كما جرى التحذير من إجراء أى رش أو تسميد خلال فترات عدم الاستقرار، إلى جانب أهمية تدعيم النباتات المعرّضة للرياح وتنظيف المصارف الزراعية لوقاية الأراضي من تجمعات المياه.
وتأتي هذه التوجيهات في إطار إجراءات استباقية لتقليل خسائر القطاع الزراعى، الذى يتأثر عادة باضطرابات الطقس المفاجئة في هذا التوقيت من العام.
على المستوى المجتمعي، وجهت الجهات المختصة المواطنين إلى ضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة خلال أيام النوة، وعلى رأسها تجنب المشي أو الوقوف بالقرب من الشواطئ خلال فترات ذروة ارتفاع الأمواج، وتثبيت الأغراض في الشرفات والأسطح لتفادي تطايرها بسبب الرياح النشطة.
القيادة بحذر على الطرق الساحلية
كما شدد فهيم على أهمية القيادة بحذر على الطرق الساحلية وفي مدن القناة التي غالبًا ما تتأثر بهطول الأمطار وانخفاض مستوى الرؤية، كذلك حذر من ملامسة أعمدة الكهرباء أو الأسلاك المكشوفة، مع مطالبة المواطنين بالاعتماد فقط على البيانات الرسمية وعدم تداول الشائعات.
أما في مجال الصيد، فقد أعلنت الموانئ في الإسكندرية ومطروح وبورسعيد حالة الاستعداد القصوى، مع توقعات بتوقف كامل لأنشطة الصيد خلال فترة النوة.
ويجري حاليًا توجيه الصيادين لرفع المراكب الصغيرة إلى اليابسة وتأمين الحبال والمعدات الخاصة بهم، في خطوة تهدف إلى حماية الممتلكات وتقليل الخسائرالتى قد تنتج.
نوة قاسم ليست مجرد حدث جوي موسمي بل ظاهرة طبيعية
وفي ظل هذه الظروف، يؤكد الخبراء أن نوة قاسم ليست مجرد حدث جوي موسمي بل ظاهرة طبيعية تحمل أهمية كبيرة في دورة مناخ البحر المتوسط، حيث تسهم في خفض درجات الحرارة وتزويد بعض المناطق بكميات من الأمطار التي يحتاجها الغطاء النباتي، لكنها في الوقت ذاته تمثل تحديًا يتطلب الاستعداد والوعي.
ومن هنا يأتى حرص المختصين على مشاركة البيانات والتحذيرات بشكل يومي، لضمان وصول المعلومة الدقيقة إلى كل من قد يتأثر بالنوة، سواء من المواطنين أو المزارعين أو الصيادين.
وتبقى نوة قاسم جزءًا من التراث المناخي لمصر، تجمع بين المخاوف العلمية والحكايات الشعبية، وبين التأثيرات القوية التي تخلفها كل عام والفائدة الطبيعية التي تقدمها.