• شهادات عن محاولات غسل الوعي داخل غرف المسكوبية
• وأحاديث الجنود التى تُظهر كيف يرى الاحتلال مصر ودورها
• مليطات: الإسرائيليون يدركون جيداً أن مصر شعبا ودولة وجيشا هي السد الأكبر أمام تمددهم في المنطقة
• أسير محرر: الجيش المصرى تحديداً هو القوة التي يخشاها الاحتلال ويعتبرها أخطر أعدائه الاستراتيجيين
• أسير محرر: مصر تاريخيا هي الحاجز الذي يقف في وجه الطموح الإسرائيلى
• أسامة الأشقر: المحللون العسكريون والأمنيون بالإذاعة الإسرائيلية يتحدثون بقلق ظاهر عن مصر ويرون أنها مصدر التهديد المركزى لهم
• أسامة الأشقر: السجان الإسرائيلى كان يعتبر مصر التهديد الحقيقي والمباشر وأكثر ما يخشاه ويقلقه
• عاهد الريس: المحققون حاولوا ترسيخ فكرة أن القاهرة لا تقف في صف الفلسطينيين وكنا نرد مصر تحب أهل فلسطين
وراء جدران السجون الإسرائيلية، لا تتوقف المعاناة عند حدود التعذيب الجسدى أو القمع اليومى، فهناك عالم آخر أكثر قسوة يتشكل داخل غرف التحقيق والزنازين المعزولة، عالم تُستخدم فيه الكلمة كسلاح، والضغط النفسى كأداة لكسر الروح قبل الجسد، وفى شهادات الأسرى المحررين الذين التقينا بهم، تتكشف طبقات خفية من أساليب الاحتلال، محاولات منظمة لزرع الشك، وفصل الإنسان عن محيطه العربى، وتفكيك صلته بعمقه الوطنى والقومى، عبر حملات متعمدة تستهدف الوعى والمشاعر والانتماء.
تكشف هذه الشهادات - على اختلاف أصحابها وتجاربهم - عن قاسم مشترك واحد: أن السجّان الإسرائيلى لا ينظر إلى الأسرى فقط كخصوم، بل كجزء من مشروع أوسع يسعى إلى إعادة تشكيل علاقة الفلسطينى بالعالم من حوله، فبين تهديدات وتحريض ضد غزة، وتشويه متواصل لصورة مصر دورًا وشعبًا وتاريخًا، ومحاولات حثيثة لخلق قطيعة بين الفلسطينيين ومحيطهم العربى، تبدو هذه الممارسات جزءًا من استراتيجية ثابتة داخل مؤسسات الاحتلال.
وفى هذا القسم من التحقيق، نضع بين أيدى القارئ روايات ثلاثة أسرى محررين، جاءت كلماتهم محمّلة بما عاشوه فى العتمة، هذه ليست مجرد أقوال بل شهادات خرجت من بطون الزنازين، ترسم صورة دقيقة لما يجرى خلف الأسوار، وتكشف كيف يتحول الأسير الفلسطينى إلى ساحة مواجهة تُستخدم فيها السياسة بقدر السلاح، والكلمة بقدر القيد.
داخل الزنازين الضيقة التى تحولت إلى عالم قائم بذاته، تشكلت لدى الأسرى العرب، خاصة الفلسطينيين، صورة خاصة عن مصر، دورها، تاريخها، وجيشها ومواقفها، صورة تختلف جذريًا عن تلك التى يحملها السجان الإسرائيلى، المتوجس من ثقل مصر الاستراتيجى، وإن بدا ذلك التوجس بعيدًا عن العلن، وفى هذا التقرير نحاول تتبع كيف تُرى مصر داخل السجون الإسرائيلية، من زاويتين متناقضتين: عين الأسير وعين السجان.
مصر فى وجدان الأسير.. وطن ينادى من خلف الأسلاك
داخل السجن، تصبح مصر - من حيث لا تحتسب - رمزا لمعادلة أكبر من الجغرافيا، حيث يستحضر الأسرى مصر باعتبارها الدولة العربية الأكبر، ويستعيدون دورها التاريخى فى صراعات المنطقة، ويتعامل كثيرون منهم مع مصر بوصفها “ظهرًا” استراتيجيًا لا يمكن تجاهله.
اعتادت مصر أن تكون الوسيط الأول فى قضايا تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، ما جعل ذكر القاهرة داخل السجون مقرونًا دائمًا بالأمل.
لا يزال الجيش المصرى حاضرًا فى ذهنية الأسرى باعتباره "الميزان الإقليمى الأكبر"، وبعض الأسرى كانوا يروون للأجيال الجديدة قصص حرب أكتوبر، وكيف هزت إسرائيل لأول مرة، ليشعروا أن الخصم ليس مطلق القوة.
مصر بعيون السجان.. حذر صامت وتاريخ لا ينسى
على الجانب الآخر، ينظر السجان الإسرائيلى إلى مصر بمنظور مختلف تمامًا، فهى دولة وقعت معها إسرائيل اتفاق سلام منذ عقود، لكنها فى الوقت ذاته قوة عسكرية لا يستهان بها، تمتلك حدودًا طويلة، وجيشًا ضخمًا، وثقلًا سياسيًا إقليميًا.
بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية، تُعد مصر الوسيط الأكثر قدرة على ضبط الإيقاع الأمنى فى غزة، وحل الملفات المعقدة، وهذا الإدراك يصل إلى الحراس الذين يرددون أحيانًا، بطريقة غير مباشرة، أن مصر هى باب التهدئة وباب الانفجار أيضا.
بعيدًا عن الصراع، ينظر السجان الإسرائيلى إلى المجتمع المصرى باعتباره الأكبر عربيًا، والأكثر تأثيرًا ثقافيًا وإعلاميًا، وبعضهم يتابع الدراما المصرية القديمة، وبعضهم يعلم موقع مصر فى الخريطة السياسية، لكن ظل لديهم شعور ثابت بأن المصريين مختلفون وهذا البلد لا يمكن التعامل معه بخفة.
شهادة عاهد الريس
وفى شهادته حول أساليب الضغط النفسى داخل مراكز التحقيق الإسرائيلية، كشف الأسير الفلسطينى المحرر عاهد الريس أن المحققين كانوا يتعمدون استغلال البعد العربى فى محاولة لزعزعة قناعاته وبث الشك فى علاقات غزة مع محيطها.
وقال الرئيس فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن أحد المحققين كان يكرر عليه فى كل جلسة تحقيق عبارات تهدف إلى الإيحاء بأن غزة "معزولة"، مؤكدا له: "ما فى حد واقف معكم يا غزاويين، ولا أحد يحبكم، حتى فى مصر لا يحبونكم ولا يخافون عليكم، ولن تقف معكم، أنتم ما إلكم أى قيمة عند العرب".

وأضاف أن المحقق كان يصر على ذكر مصر فى كل مرة، محاولًا ترسيخ فكرة أن القاهرة لا تقف فى صف الفلسطينيين وأنها – كما كانوا يدعون – "تريد أن تُقضى غزة تمامًا".
ويتابع الريس موضحا أنه كان يرد على تلك الاتهامات قائلًا للمحققين أن الدول تتخذ قراراتها وفقًا لمصالحها وأن مصر دولة تحب السلام ولا تريد الخراب بلادها وأن المصريين يحبون الفلسطينيين ويقفون مع أهل غزة، لكنه يشير إلى أن هدف المحققين كان واضحا قائلا: "كانوا بدهم يكرهونا بمصر مثل ما حكوا لنا عن أن الضفة لا تقف معنا"
ويؤكد أن هذا الأسلوب كان جزءًا من سياسة ممنهجة لبث الفرقة وإشاعة الكراهية بين أبناء الشعب الفلسطينى ومحيطه العربى، من خلال تصوير الجميع كمن تخلى عن غزة، فى محاولة للتأثير على معنويات الأسرى ودفعهم إلى فقدان الثقة بأى سند خارجى.
ما بين الصورتين.. أين تلتقى النظرتان؟
رغم التناقض بين رؤية الأسير ورؤية السجان، فإن نقطة واحدة تجمعهما، مصر ليست دولة عادية، فالأسير يرى فيها الأمل والحصن، بينما السجان يراها شريكا صعبا، وقوة يجب التعامل معها بحساب، وهذا التوازن بين الاحترام والتوجس هو ما يجعل حضور مصر داخل السجون الإسرائيلية حضورًا دائمًا، حتى عندما لا ينطق اسمها.
سلطان الظل
داخل السجون الإسرائيلية، تلعب مصر دور الفاعل الغائب الحاضر، فهى ليست طرفا مباشرا فى معركة الأسرى، ولا جزءًا من إدارة السجون، لكنها الحاضر الأقوى فى مجالس التحقيق، وفى الأخبار المتسربة عبر الراديو، وفى ذاكرة السجان الذى يقرأ التاريخ، والأسير الذى ينتظر غدا أفضل.
شهادة الأسير المحرر أسامة الأشقر
فيما يقول الأسير الفلسطينى المحرر أسامة الأشقر، الذى قضى ثلاثة وعشرين عامًا خلف قضبان الاحتلال، أن الحديث المباشر بين الأسرى والجنود الإسرائيليين كان شبه معدوم، إلا أن بعض الحوارات كانت تفرض نفسها أحيانًا خلال عمليات نقل الأسرى، أو أثناء التحقيق، أو فى فترات العزل داخل مراكز التوقيف تحت الأرض، مضيفا: "لم تكن هناك أحاديث منتظمة، لكنها كانت تظهر بين الحين والآخر على الهامش، فى لحظات عابرة داخل الزنازين أو غرف التحقيق".

ويوضح فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أن تلك الدردشات المحدودة كشفت له جانبًا مهمًا من نظرة الاحتلال لمحيطه الإقليمى، لافتًا إلى أن السجان الإسرائيلى كان يعتبر مصر التهديد الحقيقى والمباشر، بل وأكثر ما يخشاه ويقلقه.
ويقول أسامة الأشقر: "هذا كان واضحًا لنا أيضًا من خلال متابعتنا المستمرة لنشرات الأخبار العبرية على مدار 23 عامًا، فقد كان المحللون العسكريون والأمنيون الإسرائيليون يتحدثون بقلقٍ ظاهر عن مصر، ويرون أنها مصدر التهديد المركزى بالنسبة لهم".
ويشير إلى أن الإسرائيليين كانوا دائمًا غير مرتاحين لما يصفونه بـ السلام الجاف أو البارد مع القاهرة، مؤكدًا أنه سلام بلا تطبيع شعبى ومن دون استجابة مصرية واسعة للمطالب الإسرائيلية.
عزل الأسرى
ورغم العزلة التى يعيشها المعتقلين الفلسطينيين فى سجون الاحتلال إلا أن هذا لم يمنعهم من معرفة كيف يتحدث السجان الإسرائيلى عن مصر، حالة العزلة التى كشف عنها منشور لهيئة الأسرى والمحررين الفلسطينيين فى 19 نوفمبر، حيث أكد أن الأسرى يعيشون فى مركز تحقيق المسكوبية داخل زنازين معزولة تماما عن العالم بلا أى قدرة على تمييز الليل والنهار وفى ظروف قاسية تمتد إلى سوء الطعام وافتقاد مقومات العيش الأساسية، كما يواجهون أيضا بردا شديدا وإهمالا متعمدا لكل احتياجاتهم الإنسانية وفى بيئة لا تراعى أدى معايير الحياة الكريمة.
مصر العائق الأكبر أمام المشروع الصهيونى
وفي شهادة أخرى لأسير فلسطينى محرر مؤخرا، يؤكد وسيم مليطات، والذى خرج مؤخرا بعد اتفاق وقف إطلاق النار بغزة بعد أن قضى أكثر من 20 عاما داخل سجون الاحتلال، أن ما كان يسمعه داخل المعتقلات من السجانين الإسرائيليين يكشف بوضوح طبيعة النظرة الإسرائيلية لمصر ودورها فى المنطقة.
الأسير المحرر وسيم مليطات
ويضيف فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع": "من خلال سنوات الأسر، كنت ألاحظ أن السجان ليس مجرد فرد يؤدى مهمة، بل هو انعكاس مباشر للثقافة الصهيونية السائدة، تلك الثقافة التى تأسست على المشروع الاستعمارى الغربى الذى أراد زرع كيان يفصل العالم العربى ويمنع وحدته، ويستهدف الأمة العربية وفى القلب منها مصر تحديدا".
ويتابع: "السجانون كانوا يتحدثون كثيرا عن المنطقة وطبيعة تموضع الدول، وكان واضحا فى أحاديثهم أن العائق المركزى بالنسبة لهم هو مصر، بما تمثله من قوة ووزن وثقل إقليمى، وكانوا يقولون أن الشعب المصرى، رغم مرور أكثر من خمسين عامًا على اتفاقية السلام، لم يطبع ثقافيا مع إسرائيل، ودائما يرددون أن المصريين يكرهون الإسرائيليين، وأن الجيش المصرى تحديدًا هو القوة التى يخشاها الاحتلال ويعتبرها أخطر أعدائه الاستراتيجيين".
ويوضح مليطات: "رغم حديثهم السياسى عن خصوم كإيران أو بعض الأطراف العربية، إلا أن النظرة العميقة فى المجتمع الإسرائيلى، داخل الأحزاب والمؤسسات وحتى داخل السجون، كانت تعتبر أن مصر دولة وشعبا وجيشا، هى التى تشكل تهديدا دائما لبقاء إسرائيل فى المنطقة، كانوا يقولون ذلك دون تردد، ودون اعتبار للتحولات السياسية أو الاتفاقيات".
ويشير إلى أن الإعلام والثقافة المصرية كانا حاضرين بقوة فى أحاديث السجانين: "كانوا يرددون أن المصريين ما زالوا يحملون الأفكار القومية القديمة، وأن هذه الأفكار تمنع إسرائيل من أن تصبح الدولة المركزية والمهيمنة فى الإقليم، لأن مصر تاريخيا هى الحاجز الذى يقف فى وجه هذا الطموح".
ويتابع: "أذكر أننا حين كنا نتحدث مع السجانين عن تصريحات ليبرمان حين هدد بضرب السد العالى أو القاهرة نوويا، كانوا يعترفون بأن الخطأ الاستراتيجى لإسرائيل كما يرونه، هو أنها لم تضرب مصر بسلاح نووى سابقًا، معتبرين أن ذلك كان يمكن أن يضع حدا لعدو يشكل الخطر الأكبر على وجودهم".
ويضيف مليطات: "ما عشته داخل الأسر يؤكد لى أن الإسرائيليين، رغم كل الخطابات الدبلوماسية، لا يزالون ينظرون لمصر والجيش المصرى بأنه القوة التى تمنع إسرائيل من فرض نفسها لاعبا مركزيا وحيدا فى المنطقة".
ثم يستعيد حادثة مهمة خلال صفقة التبادل الأخيرة، قائلًا: "فى الأيام الأخيرة داخل السجن، كنا نتعرض لأقصى درجات الإذلال، وعندما وصل رجل من القنصلية المصرية إلى الباص الحديدى الذى نقلونا فيه، وأصر على ذكر أسماء الأسرى بنفسه رغم محاولة الضابط الإسرائيلى تسهيل المهمة له، رد عليه الدبلوماسى المصرى بحزم: "لا تتدخل فى عملى، غادر فورا" كانت تلك اللحظة بالنسبة لنا تجسيدا للعنفوان المصرى والكبرياء العربى، وذكرى تقول لنا أن لنا عمقا وسندا".
ويختتم مليطات حديثه: "الإسرائيليون يدركون جيدًا أن مصر شعبا ودولة وجيشا هى السد الأكبر أمام تمددهم فى المنطقة، وهى الحاجز الذى يمنع تحول إسرائيل إلى اللاعب الأول والأخير فى الشرق الأوسط، لذلك لا يتوقفون عن النظر إليها باعتبارها العدو الاستراتيجى، مهما حاولوا إظهار غير ذلك".
على هامش شهادات الأسرى
وعلى هامش شهادات الأسرى المحررين كشفوا جانبا آخر مما تعرضوا له من تعذيب داخل السجون الإسرائيلية ومع تصاعد شهادات الناجين واعترافات بعض الحراس السابقين، تتكشف صورة قاتمة عن منظومة كاملة تُدار خلف الأسوار، حيث يتحول الجسد إلى ساحة صراع، والإرادة إلى هدفٍ دائم للتكسير، هنا، فى هذا الجزء من التحقيق، نقترب أكثر من تلك التفاصيل التى تُخفيها الجدران السميكة، ونسرد ما يجرى بعيدًا عن أعين العالم، كما وثقته شهادات الأسرى ومحاضر المنظمات الدولية.
السجن يتحول لمستشفى موت
وفى 2 يوليو الماضى، كشف مكتب إعلام الأسرى الفلسطينيين جانب من حجم التعذيب والقهر الذى يتعرض له الأسرى فى سجون الاحتلال، خلال بيان له حمل عنوان " الأسرى المرضى.. حين يتحول السجن إلى مستشفى موت"، موضحا أن هناك 2,500 أسير مريض يموتون ببطء تحت رعاية قاتلهم، و260 منهم يعانون من أمراض خطيرة.
وأوضح أن هناك 27 مصاب بالسرطان بلا علاج، بلا أمل، و22 معاقا حركيا أو نفسيا يتكئون على جدران الزنازين أكثر مما يتكئون على أجسادهم، و3 أسرى مصابون بشلل نصفى لا يتنقلون إلا على كراسى العجز، لافتا إلى أن ️أمراض هؤلاء الأسرى تعد حكم إضافى فى محكمة لا تجيد إلا إصدار أحكام الإعدام الصامت.
سجون تحت الأرض
أهوال عديدة تحدث داخل سجون الاحتلال، منها ما كشفته تقرير لصحيفة "الجارديان" البريطانية فى 10 نوفمبر، والذى كشف جحيم بسجن "راكفيت" الإسرائيلى تحت الأرض، مشيرة إلى واقعٍ مروع يعيشه عشرات الفلسطينيين من غزة داخل المعتقل "، حيث يحتجزون فى زنازين تحت الأرض لا يدخلها ضوء النهار، ويحرمون من الغذاء الكافى والرعاية الطبية، وحتى من معرفة أى شيء عن عائلاتهم أو العالم الخارجي.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن الزنازين ضيقة، مظلمة، بلا تهوية ولا نوافذ، يعيش فيها المعتقلون ثلاثة أو أربعة أشخاص، ويسمح لهم بالخروج لبضع دقائق فقط كل يومين، فيما تسحب منهم الفرش مع الفجر ويجبرون على النوم على الحديد حتى الليل، لافتة إلى أنه من بين المعتقلين ممرض وشاب بائع طعام، لم توجه إليهما أى تهمة منذ اعتقالهما فى يناير الماضي.
وأشارت إلى أن المحاميتين اللتين زارتا السجن وصفتا المشهد بأنه مهين ومروع، حيث ممرات متسخة، حراس ملثمون، كاميرات مراقبة حتى فى قاعة المحامين، وتهديد بقطع الزيارة أن تطرّق الحديث إلى العائلة أو الحرب فى غزة، كما أن إحدى المحاميتين قالت إنها وجدت موكليها منحنيين والرؤوس إلى الأرض، بالأغلال فى اليدين والرجلين، فيما همس أحدهما بخوف يسأل عن زوجته الحامل، قبل أن يسحب بعيدا.
بحسب تصريحات عاهد الريس، فإنه تعرض لتعذيب شديد من قبل السجانين الإسرائيليين خلال حديثهم معه عن مصر، هذا التعذيب الذى كشفت جانب منه هيئة شؤون الأسرى والمحررين خلال تقريرها الصادر فى 20 نوفمبر، لافتة إلى أن هناك انتهاكات خطيرة داخل معسكر عوفر، استنادا إلى شهادات أسيرين تدهورت أوضاعهما الصحية والنفسية نتيجة الإهمال والقمع.
وأوضحت أن الأسير محمد القاضى البالغ من العمر 30 عاما يعانى من حساسية شديدة تعرف بـ"حساسية البرد"، تسببت بانتشار طفح جلدى فى كامل جسده، وازداد وضعه الصحى سوء بعد مصادرة دوائه عند الاعتقال وعدم تقديم أى علاج له رغم مناشداته، حيث أكد الأسير الفلسطينى أنه تعرض قبل شهر لاقتحام عنيف لغرفته، حيث قيد من الخلف، وعصبت عيناه، ثم نقل إلى المرحاض بعيدا عن الكاميرات، وتم ضربه بشكل مركز على الرأس والوجه إلى جانب صعقه بالكهرباء ثلاث مرات، مما أدى لإصابات فى العين والأذن وفقدان الاتزان، كما بقى معزولا ثلاثة أيام، كما تسحب الأغطية من غرف الأسرى يوميا حتى المساء، بينما تتسرب مياه المطر إلى الغرف عبر النوافذ والأسقف.
بينما أجرى الأسير مجاهد يوسف البالغ من العمر 33 عاما، عملية ليزر فى العين قبل اعتقاله ويحتاج لقطرة مرطبة بشكل دائم، إلا أن إدارة المعسكر وفرتها لثلاثة أيام فقط ثم أبلغته بعدم وجودها، ما تسبب له بحرقان وتشوش فى الرؤية.
تعذيب الأسرى الفلسطينيين
وفيما يتعلق بوضع السجن، قال محامى الهيئة :" لا تتجاوز مدة الفورة اليومية 15 دقيقة صباحا ومثلها مساء، كما تتعرض غرف الأسرى إلى اقتحامين إلى ثلاثة أسبوعيا، تشمل تفتيشا واعتداءات وشتم، فيما لا يحصل الأسرى على أكثر من 1% من حقوقهم، وتأتى هذه الانتهاكات المتصاعدة وسط صمت عربى ودولى، وغياب كامل لدور المؤسسات الحقوقية والإنسانية.
مقاتلون غير شرعيين
وبحسب تحقيق لصحيفة "هآرتس" العبرية فى 26 نوفمبر نقلا عن منظمات حقوقية إسرائيلية، أكدت أن الانتهاكات بحق المعتقلين الفلسطينيين تشمل الضرب والحرق بالماء المغلى والهجمات بالكلاب والاعتداءات الجنسية، موضحة أن مئات المعتقلين من غزة ييتجزون فى السجون الإسرائيلية وهم مقيدون ومعصوبو الأعين وتحت ظروف مناخية قاسية
وأضافت أن تل أبيب تستخدم تصنيف مقاتلين غير شرعيين لاحتجاز آلاف الفلسطينيين لفترات طويلة من دون محاكمة، وهناك أكثر من 4 آلاف معتقل من غزة أوقفوا وفقا لتصنيف غير شرعيين خلال الحرب.
تجويع الأسرى
ذكرت أنه بعد نحو ثلاثة أشهر على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بتزويد الأسرى الفلسطينيين بكمية طعام مناسبة وكافية، يتضح من شهادات داخل السجون أن شيئا لم يتغير، واستنادا إلى إفادات من الأسرى نفوا حدوث أى تغيير فى توزيع الطعام، بل أن بعضهم قال أن الكمية تقلصت.
وكشف محامى فلسطينى زار مؤخرا 53 أسيرا فى عدة سجون إسرائيلية، أن جميعهم أخبروه بأن كمية الطعام التى يحصلون عليها قليلة ورديئة الجودة، وأن بعضهم اشتكى من شعور دائم بالجوع، حيث وقال أحد المعتقلين للمحامى إنهم يموتون من الجوع ويحلمون بالطعام.
وبحسب المحامى، فقد أفاد عدد من الأسرى بأنهم منذ 7 أكتوبر تلقوا طعاما منتهى الصلاحية، حيث التقى مؤخرا فى سجن كتسيعوت أسيرا إداريا كان وزنه عند اعتقاله 130 كيلو جرام، وأصبح اليوم يزن نحو 60 كيلو فقط.