مع حلول صوم الميلاد المجيد وقبل أعياد الميلاد لا تقتصر احتفالات الكنائس في مصر على الطقوس الدينية والتقليديات الروحية، بل تتجلى في أبهى صورها الإنسانية، حيث تمتد أيادي المحبة لتشمل الفقراء والأيتام والمحتاجين، لتصبح هذه الأعياد مناسبة للرحمة والعطاء، بعيدًا عن الأضواء والزينة، وتركز على من هم في أمس الحاجة إلى دفء المجتمع ودعمه.
العطاء محور الاحتفال.. وجبات وبطاطين للمحتاجين
في كنيسة العائلة المقدسة بالزيتون، يوضح الأب أغسطينوس موريس، كاهن الكنيسة، أن الاحتفالات هذا العام ترتكز على خدمة الفقراء والمحرومين، حيث تم التخطيط لتوزيع 500 وجبة طعام وبطاطين على المحتاجين في الشوارع، ضمن أنشطة سنوية تعكس روح العيد الحقيقية. وأضاف أن الكنيسة تنظم زيارات دورية للأيتام والملاجئ، وتخطط لتوسيع هذه المبادرات العام المقبل لتصل إلى 1000 وجبة، مع استمرار موائد رحمن الرمضانية بحي الزيتون.
ثمرة الصوم.. رسالة انسانية للفقراء
وأكد الأب بولس جرس، كاهن كنيسة القديس أنطونيوس بالفجالة وعضو مجلس كنائس مصر، أن الصوم ليس مجرد تقليد ديني، بل دعوة دائمة لتذكّر الفقراء والمحتاجين، وأن ثمرة الصوم يجب أن تُترجم إلى أعمال ملموسة من خلال قوافل خيرية تحمل كراتين الطعام والملابس للقرى والمناطق الفقيرة بالصعيد، بمشاركة الشباب والأسر والكهنة. وأضاف الأب بولس أن القداسات تهدف أيضًا إلى السلام في العالم، والدعاء من أجل المشردين والجرحى، وخاصة في قطاع غزة، وأن تعمّ الرحمة والسلام كل أرض المسيح.
مشاركة الدولة ورجال المجتمع.. قداسات تجمع الجميع
تشارك في قداسات الأعياد كافة الجهات الرسمية، حيث يحضر عدد من الوزراء وكبار المسئولين ومندوبي رئيس الجمهورية والأزهر الشريف وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ. وفي الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، يترأس قداسة البابا تواضروس الثاني قداس عيد القيامة، بمشاركة أساقفة وكهنة وشعب قبطي من مختلف الإيبارشيات، وخورس الكلية الإكليريكية بقيادة الأرشيدياكون إبراهيم عياد. وقد أطلقت إيبارشيات الكنيسة الأرثوذكسية استمارات لحجز حضور القداس، مع دراسة توسيع أعداد المصلين عن الأعوام الماضية، بعد التأثيرات الناتجة عن جائحة كورونا.
احتفال الأعياد بين الكنائس.. رسالة عالمية وإنسانية
الكنيسة الأرثوذكسية
يشارك في صلوات عيد القيامة عدد من الآباء الأساقفة، منهم الأنبا مرقس مطران شبرا، والأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس، والأنبا إرميا رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، والأنبا يوليوس أسقف الخدمات الاجتماعية، إضافة إلى الرهبان، لتصبح القداسات مناسبة للتقارب بين أبناء الشعب القبطي وتعزيز قيم التضامن.
الكنيسة الكاثوليكية
يترأس الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، قداس عيد القيامة المجيد بكاتدرائية السيدة العذراء مريم بمدينة نصر، لتكون منصة للتلاقي الروحي والاجتماعي مع أبناء الكنيسة والمجتمع المحيط.
الكنيسة الأسقفية
تتزين كاتدرائية جميع القديسين بالزمالك بالقداسات المزدوجة باللغتين العربية والإنجليزية، تحت إشراف الدكتور سامي فوزي، رئيس أساقفة إقليم الإسكندرية للكنيسة الأنجليكانية، مع تواجد أطفال لغة الإشارة في الترانيم والقداس، ليكون الاحتفال شاملًا لكل شرائح المجتمع، بما فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة. ويستقبل رئيس الأساقفة كبار الزوار والموفدين من الدولة والأزهر الشريف لتقديم التهاني بعيد القيامة.
الأعياد.. رسالة تضامن ورحمة تتجاوز الطقوس
تجسد هذه الاحتفالات رسالة الكنيسة الإنسانية، حيث لا يقتصر دورها على القداسات والطقوس الروحية، بل يمتد ليشمل دعم الفقراء والمحتاجين، الأيتام، وأطفال الشوارع، لتصبح الأعياد مناسبة للعطاء والرحمة. ويعكس تنظيم القوافل وتوزيع المساعدات مشاركة الشباب والأسر والكهنة في تعزيز قيم المحبة والتعاون المجتمعي.
بهذه الطريقة، تجمع الكنيسة بين الاحتفال الديني والعمل الإنساني، بين الصلاة والعطاء، لتبقى أعيادها رمزًا للمحبة والخدمة الاجتماعية، وتثبت أن الروح الحقيقية للاحتفال تكمن في مد يد العون لكل محتاج وإشاعة السلام في كل مكان.