رغم التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم في عام 2025، وما وصل إليه علم الآثار من تقنيات مسح جيولوجي وتحليل رقمي، لا تزال الأرض تحتفظ ببعض أكبر أسرارها، رافضة الإفصاح عن المثوى الأخير لشخصيات غيرت مجرى التاريخ، من ملوك المصرية القديمة والقادة العظام إلى رواد العلم والفلسفة، يبقى السؤال الحائر: أين رقد هؤلاء؟
وتظل هذه القبور المفقودة دليلاً على أن التاريخ، مهما حاولنا تدوينه، يحتفظ لنفسه بصفحات بيضاء، وتظل الأرض هي الخازن الأكبر للأسرار التي قد لا تكشف عنها أبداً.. وفي التقرير التالي نستعرض أبرز الشخصيات التاريخية التي عاشت أو ماتت في مصر، ولا تزال مقابرهم لغزاً يحير العلماء والمستكشفين حتى اليوم.
كليوباترا وأنطونيوس.. هل ابتلع البحر قصة الحب الخالدة؟
يظل قبر الملكة "كليوباترا السابعة" وعشيقها القائد الروماني "مارك أنطونيوس" أحد أكبر ألغاز العصور القديمة. فبعد انتحارهما عقب الهزيمة أمام "أوكتافيان" عام 30 ق.م، تذكر الروايات التاريخية أنهما دُفنا معاً في مراسم ملكية مهيبة، لكن الموقع اختفى من الوجود.
وبينما تميل بعض النظريات إلى أن القبر غرق تحت مياه البحر المتوسط نتيجة الزلازل التي ضربت الإسكندرية القديمة، تقود العالمة "كاثلين مارتينيز" فريقاً بحثياً يرجح وجود المقبرة في معبد "تابوزيريس ماجنا" غرب الإسكندرية. ورغم العثور على عملات وأنفاق معقدة، يظل الدليل الحاسم مفقوداً وسط شكوك من كبار علماء المصريات، وعلى رأسهم الدكتور زاهي حواس، حول هذه الفرضية.
الإسكندر الأكبر.. قبر تحت أقدام المدينة الحديثة
لا يقل لغز قبر "الإسكندر الأكبر" غموضاً؛ القائد الذي توفي في بابل عام 323 ق.م، ونُقل جثمانه ليدفن في مدينته الأثيرة "الإسكندرية" داخل ضريح عُرف باسم "السوما"، وكان مزاراً للأباطرة والرحالة لقرون.
بحلول القرن الخامس الميلادي، اختفى كل أثر للضريح. وتتأرجح الاحتمالات بين تدميره عمداً في عصور الاضطرابات، أو غرقه تحت المياه. وما يزيد المهمة تعقيداً هو أن الإسكندرية الحديثة بُنيت فوق أطلال المدينة القديمة، مما يجعل أي محاولة للتنقيب الشامل مخاطرة تهدد البنية التحتية والسكان، ليظل كشف قبر الإسكندر "حلماً بعيد المنال".
نفرتيتي.. الملكة المختفية خلف الجدران
في صعيد مصر، وتحديداً في وادي الملوك، لا يزال الغموض يحيط بمصير "نفرتيتي"، زوجة الملك إخناتون وشريكته في الثورة الدينية، واختفت الملكة فجأة من السجلات التاريخية في السنة الثانية عشرة من حكم زوجها، تاركة الباب مفتوحاً لتكهنات لا تنتهي: هل ماتت؟ هل نُفيت؟ أم حكمت باسم مستعار؟
أثار عالم المصريات "نيكولاس ريفز" جدلاً واسعاً بنظريته القائلة بأن مقبرة نفرتيتي قد تكون مخبأة خلف الجدران المزخرفة لمقبرة الملك الذهبي "توت عنخ آمون"، ورغم المسوحات الرادارية التي ألمحت لوجود فراغات، إلا أن الحكومة المصرية ترفض المغامرة بكسر الجدران دون أدلة دامغة، حفاظاً على الأثر الفريد.
علماء الحضارة الإسلامية.. قبور مجهولة في قرافة مصر
لم يقتصر الغموض على العصور القديمة، بل امتد لرموز الحضارة الإسلامية الذين عاشوا وماتوا في مصر:
الحسن بن الهيثم
مؤسس علم البصريات الذي عاش أواخر حياته في القاهرة، لا يُعرف له قبر محدد حتى الآن. ورغم إشارة بعض أساتذة الآثار الإسلامية إلى نصوص في كتب المزارات ترجح دفنه في "القرافة الصغرى" بجوار قبر الصحابي "عقبة بن عامر" جنوبي قبة الإمام الشافعي، إلا أنه لا يوجد شاهد قبر أو دليل مادي يؤكد هذا الموقع، وسط غياب لتحقيقات أثرية رسمية وموسعة.
ابن خلدون
مؤسس علم الاجتماع الذي قضى سنواته الأخيرة في مصر وتوفي بها، تؤكد المصادر التاريخية دفنه في مقابر الصوفية خارج "باب النصر" بالقاهرة. ومع ذلك، ومع مرور الزمن وتداخل المقابر، ضاع مكان القبر بالتحديد، ليصبح رفات صاحب "المقدمة" مجهول الموقع بين آلاف القبور في تلك المنطقة التاريخية.