الوجه هو أكثر مناطق الجسد تعبيرًا عن الإنسان، وأي إحساس غير طبيعي فيه — كالوخز أو الخدر — يثير القلق فورًا. كثيرون يشعرون أحيانًا بتنميل مفاجئ في أحد جانبي الوجه أو بكامله، ولا يدركون ما إذا كان الأمر بسيطًا أم إنذارًا خطيرًا. الحقيقة أن تنميل الوجه ليس عرَضًا واحدًا بل علامة يمكن أن تشير إلى عشرات الأسباب المختلفة، بعضها مؤقت وعابر، وبعضها الآخر يستدعي تدخلاً طبيًا عاجلاً.
وفقًا لتقرير نشره موقع TuaSaude ، فإن التنميل قد ينتج عن أسباب عصبية أو عضلية أو نفسية أو حتى دوائية، وتختلف خطورته باختلاف منشئه ومدته وما يرافقه من أعراض أخرى.
الأسباب بين البسيط والخطير
أبسط الأسباب شيوعًا هو مشاكل الأسنان، خاصة عندما يمتد الالتهاب إلى جذور الأعصاب، فيسبب خدرًا حول الفم أو الخد. وقد يحدث بعد عمليات جراحية للأسنان أو الفكين نتيجة تهيّج مؤقت للأعصاب. في هذه الحالات، يزول الإحساس تدريجيًا خلال أيام، ويكفي مراجعة طبيب الأسنان لتحديد العلاج المناسب من مضادات التهاب أو مسكنات.
لكن هناك أسبابًا أكثر تعقيدًا. أحدها هو شلل الوجه النصفي أو ما يُعرف بـ"شلل بيل"، وهو اضطراب مفاجئ يصيب العصب الوجهي ويؤدي إلى ارتخاء نصف الوجه مع صعوبة في الإغلاق أو الابتسام. يحتاج المريض هنا إلى متابعة طبية عاجلة لتفادي المضاعفات، ويُنصح بالعلاج الطبيعي لتحفيز العضلات واستعادة الحركة تدريجيًا.
عندما يكون المفصل هو السبب
كثير من المرضى لا يتخيلون أن مشكلة في مفصل الفك قد تسبب وخزًا في الوجه، لكن خلل المفصل الصدغي الفكي هو أحد الأسباب الخفية للتنميل. هذا المفصل الصغير الذي يتحكم في حركة الفم يمكن أن يتأثر بالضغط العصبي أو عادة صرير الأسنان، مما ينعكس على الأعصاب المحيطة. وقد يصاحب التنميل صداع مزمن أو ألم في الأذن أو طقطقة عند فتح الفم.العلاج في هذه الحالة يشمل أجهزة واقية للأسنان أثناء النوم، والعلاج الطبيعي، وأحيانًا تقنيات الاسترخاء لتقليل التشنجات العضلية.
الأعصاب والدماغ
أحيانًا يكون التنميل رسالة من الجهاز العصبي المركزي نفسه. فالتهابات الأعصاب، أو أمراض المناعة مثل التصلب المتعدد، قد تُحدث خللًا في الإشارات العصبية فيشعر المريض بوخز في الخدين أو الذقن. كما أن الصداع النصفي أو ما يُعرف بـ"الأورا العصبية" يسبب أحيانًا خدرًا في الوجه يسبق نوبة الصداع الشديدة.
لكن أخطر ما يجب الانتباه إليه هو احتمال أن يكون التنميل أحد مؤشرات الجلطة الدماغية. إذا ظهر فجأة في جانب واحد من الوجه، ورافقه ضعف في الكلام أو انحراف الفم أو صعوبة في الحركة، فهذه حالة طارئة تستدعي الذهاب الفوري إلى المستشفى. كل دقيقة قد تعني إنقاذ حياة أو منع إعاقة دائمة.
القلق والدواء
الجانب النفسي أيضًا له دوره. فحالات القلق الشديد أو نوبات الهلع يمكن أن تسبب تغيرًا في الإحساس العصبي، فيشعر الشخص بوخز أو خدر خفيف في الوجه واليدين. هذا النوع من التنميل يختفي عادة بمجرد استرخاء المريض أو استعادة تنفسه الطبيعي.
من ناحية أخرى، قد يكون السبب دوائيًا، حيث تسبب بعض الأدوية مثل أدوية السرطان أو مضادات الفيروسات إحساسًا بالوخز كأثر جانبي، ويزول تدريجيًا عند تعديل الجرعة أو تغيير الدواء تحت إشراف الطبيب.
التهابات وأمراض أخرى
هناك فيروسات كالهربس النطاقي (الحزام الناري) قد تصيب منطقة الوجه، فتسبب ألمًا حارقًا ثم خدرًا في الجلد مع ظهور بثور مؤلمة. كما أن أمراضًا مثل داء لايم الناتج عن لدغات القراد، أو السكري المزمن الذي يسبب تلف الأعصاب الطرفية، يمكن أن تؤدي إلى نفس الإحساس المزعج.
في جميع هذه الحالات، لا يجب الاكتفاء بالملاحظة أو التجاهل، فالتشخيص المبكر هو مفتاح العلاج. الفحص العصبي وتحاليل الدم والتصوير قد يحدد السبب بدقة، ويوجّه إلى العلاج المناسب سواء بالأدوية المضادة للالتهاب أو جلسات العلاج الطبيعي أو ضبط سكر الدم.
تنميل الوجه ليس عارضًا يجب التعايش معه أو تسكينه مؤقتًا. قد يكون بسيطًا كالتهاب لثة، وقد يكون إنذارًا مبكرًا لجلطة دماغية. لذلك، كل إحساس غير معتاد يتكرر أو يصاحبه أعراض أخرى، يستحق استشارة الطبيب فورًا. الوقاية تبدأ بالوعي، والعلاج يبدأ بالخطوة الأولى نحو الفحص.