مها عبد القادر

الجيش المصرى.. حصن الوطن فى وجه الشائعات وحروب الوعي

الأحد، 28 ديسمبر 2025 03:43 ص


يعد الجيش المصرى من أقدم الجيوش النظامية فى التاريخ الإنسانى، حيث ارتبط منذ نشأة الدولة المركزية فى وادى النيل بوظيفة حماية الأرض وتنظيم المجتمع والدفاع عن الاستقلال، والوعى المبكر بفكرة الجندية المنضبطة، والعقيدة القتالية المرتبطة بحماية الوطن، لذلك فإننا نقف بإجلال أمام المؤسسة العسكرية، فهى أحد أعمدة الكيان الوطنى وركيزة أساسية من ركائز استمراره، فالجيش المصرى مؤسسة وطنية ضاربة فى الجذور، تشكل وعيها عبر آلاف السنين، وارتبط وجودها بفكرة الدولة ذاتها، ومن ثم، فإن دراسة الجيش المصرى حارسًا للسيادة، وفاعلًا مركزيًا فى معادلات الاستقرار والتنمية.

 

واستمر هذا الامتداد التاريخى للجيش المصرى عبر العصور الإسلامية والحديثة، حيث شارك المصريون فى معارك فارقة شكلت الوعى الجمعى للأمة، من حطين إلى مقاومة الحملات الصليبية، وصولًا إلى الدفاع عن قناة السويس، ومواجهة العدوان الثلاثى، ثم حرب أكتوبر 1973، التى تمثل ذروة التكامل بين الإرادة السياسية والكفاءة العسكرية، وتستند القوات المسلحة المصرية إلى عقيدة وطنية راسخة، مضمونها أن حماية الوطن واجب مقدس وأن الجيش ملك للشعب ومنحاز لإرادته، وهذه العقيدة هى ما منحت المؤسسة العسكرية شرعيتها المستدامة، وقد تجلى هذا المبدأ بوضوح فى محطات تاريخية مفصلية، أبرزها أحداث 30 يونيو، حين انحاز الجيش لإرادة الجماهير، وحال دون انزلاق الدولة إلى مسارات الفوضى أو تفكيك الهوية الوطنية، ومن ثم يمكن قراءة العلاقة بين الجيش والشعب بوصفها عقدًا وطنيًا ممتدًا، يتجدد فى لحظات الخطر الوجودى.


ويعد الجيش المصرى من أهم عوامل تماسك الدولة، ودرعها الواقى من سيناريوهات الانهيار التى شهدتها دول مجاورة، خاصة فى سياق إقليمى ودولى يتسم بتصاعد التهديدات غير التقليدية، من إرهاب عابر للحدود إلى حروب الجيلين الرابع والخامس، وقد خاض الجيش معارك معقدة ضد الإرهاب، خاصة فى شبه جزيرة سيناء، وتمثلت المواجهة فى المواجهة العسكرية والأمنية والتنموية والفكرية وقد أثبتت هذه التجربة أن الأمن القومى يشمل حماية الحدود وصيانة الدولة والمجتمع.


وتعد الشائعات أحد أخطر أدوات حروب الجيل الرابع والخامس، ولذلك امتد استهداف الجيوش الوطنية إلى ميادين أكثر خفاءً وتأثيرًا، فى مقدمتها الشائعات وحروب الوعى والحرب النفسية، فإضعاف الثقة بين الشعب وجيشه، وتشويه الرموز العسكرية، وبث الشك فى الدوافع والقدرات، بات يمثل هدفًا استراتيجيًا للقوى الساعية إلى تفكيك الدول من الداخل دون إطلاق رصاصة واحدة، وتُدرك الدولة المصرية أن هذه الحرب الناعمة فى ظاهرها، العنيفة فى أثرها، لا تقل خطرًا عن التهديدات الأمنية المباشرة، إذ تستهدف الوعى الجمعى وتضرب فى عمق الانتماء الوطنى.


وتمثل الشائعة أداة نفسية تهدف إلى إرباك الوعى العام وكسر المعنويات وزعزعة الثقة، وإنتاج حالة من الشك المستمر تجاه الثوابت الوطنية، وتمثل العلاقة التاريخية المتجذرة بين الجيش والشعب وتماسك الجبهة الداخلية، ووعى المجتمع بطبيعة هذه الأدوات الخادعة خط الدفاع الأول وفعل مقاومة فى مواجهة هذه الحروب المعنوية، فالثقة المتراكمة، التى بنيت عبر تضحيات ممتدة ومواقف فاصلة، تجعل من الشائعة خطابًا هشا ومردود أمام الذاكرة الجمعية، ولهذا، لم ولن تنجح محاولات النيل من صورة الجيش، وسيظل ينظر إليه كمؤسسة منضبطة، وطنية التوجه، غير خاضعة للمصالح الفئوية أو الاستقطابات الأيديولوجية.


وتدرك القوات المسلحة المصرية أن مواجهة الشائعات تتم عبر الوعى والأدوات الأمنية، والشفافية النسبية، والانضباط المؤسسى، والالتزام الصارم بالعقيدة الوطنية، فكلما حافظت المؤسسة العسكرية على مهنيتها، ورسخت نموذج الدولة القادرة، تراجعت فاعلية خطاب التشويه تلقائيًا، ومن ثم، يمكن القول أن صلابة الجيش المصرى فى مواجهة الشائعات تنبع من كونه مؤسسة متماسكة أخلاقيًا ووظيفيًا، قادرة على حماية الوطن فى الميدان، وصون وعيه فى المجال العام.


وامتد دور القوات المسلحة ليشمل الإسهام فى مسيرة التنمية الوطنية، انطلاقًا من فهم شامل لمفهوم الأمن القومى، فقد شارك الجيش فى تنفيذ مشروعات البنية التحتية الكبرى، وإدارة الأزمات والكوارث، ودعم قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، كما ظهر جليًا خلال جائحة كورونا والسيول وغيرها من الأزمات الطارئة، ومن منظور نظرى، يعكس هذا الدور تطور مفهوم الجيوش الوطنية الحديثة، التى تعد مؤسسات قتالية وشركاء فى بناء الدولة، خاصة فى المجتمعات التى تواجه تحديات تنموية وهيكلية.


وتتميز القوات المسلحة المصرية بدرجة عالية من الاحترافية والانضباط، مدعومة بتدريب مكثف، وخبرة تراكمية، وتحديث مستمر للقدرات والآليات، كما يعد التكامل بين الأفرع الرئيسية البرية، والبحرية، والجوية، والدفاع الجوى، نموذجًا للأداء المؤسسى المتناغم، القادر على تنفيذ المهام المعقدة بكفاءة، ويعكس هذا المستوى من الجاهزية قدرة القيادة العسكرية على اتخاذ قرارات حاسمة فى بيئات ضاغطة، وتطبيق استراتيجيات تعتمد على التحليل الدقيق والتخطيط المسبق، بما ينسجم مع متطلبات الحروب الحديثة.


ويحظى الجيش المصرى بعلاقة خاصة ومكانة راسخة فى الوجدان الشعبى، فهو أحد الأعمدة الرئيسة للهوية الوطنية ومرآةً لصلابة المجتمع وقدرته على الصمود، وليس من قبيل المصادفة أن يتحول وصف الجيش المصرى خير أجناد الأرض إلى تعبيرٍ كثيف الدلالة، وخلاصة تجربة تاريخية ممتدة، كونتها ميادين القتال، وكرستها التضحيات المتراكمة والمواقف الفاصلة التى انحاز فيها الجيش دائمًا إلى بقاء الدولة وحماية المجتمع، ومن ثم، فإن هذه المكانة تأسست عبر مسار طويل من الانضباط والواجب، جعل من الجيش رمزًا للاستمرارية الوطنية، وحارسًا للشرعية التاريخية للدولة فى لحظات الخطر والتحول.


ونؤكد أن الحديث عن الجيش المصرى حديث عن فكرة دولة تشكلت عبر التاريخ، وعن تجربة حضارية تراكمت فيها معانى السيادة والانضباط والواجب، وعن عقد وطنى ممتد يقوم على الثقة المتبادلة بين الشعب وجيشه، فهو ترجمة لفلسفة الدولة فى صون وجودها واستمرارها، حيث تحفظ الأوطان بقوة تستند إلى عقيدة وطنية راسخة، ومؤسسات منضبطة تحكمها فكرة الواجب، وشعب واعى يدرك أن جيشه درعه الواقى فى أزمنة الخطر، وضميره الحى فى لحظات الاختبار التاريخى، فالجيش المصرى رمز السيادة، وعنوان العزة، وروح الوطن، وعقل الدولة، ودرع الأمة الحصين، وضمير الشعب الحى، يبقى حاضرًا فى كل تحد، صامدًا أمام كل مؤامرة، وشامخًا دائمًا رمزًا للثبات والعزة والسيادة، ولا يثنيه عن رسالته أى ضغط أو تهديد، فهو درع الحاضر وراعى لمستقبل أمة لا تعرف الانكسار.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة