في ظل الارتفاع الملحوظ في معدلات حوادث الطرق، وما تخلفه من خسائر بشرية ومادية جسيمة، جاءت التعديلات الجديدة على بعض أحكام قانون المرور لتبعث برسالة واضحة مفادها أن الدولة عازمة على مواجهة الاستهتار المروري بكل حسم، وأن الحفاظ على أرواح المواطنين لم يعد يحتمل التهاون أو المجاملة.
هذه التعديلات، التي وافق عليها مجلس الوزراء، تستهدف بالأساس ضبط الشارع، والتصدي للأخطاء البشرية التي تقف وراء النسبة الأكبر من حوادث الطرق، في إطار رؤية شاملة لوقف نزيف الأسفلت وتحقيق الانضباط المروري.
وفي هذا السياق، حاورت جريدة اليوم السابع اللواء أيمن عبد القادر، الخبير المروري، للوقوف على فلسفة هذه التعديلات، وأسباب تشديد العقوبات، وكيف يمكن أن تسهم في حماية المواطنين وتقليل الحوادث، والدور المنتظر من المواطن إلى جانب تطبيق القانون.
في بداية الحوار، أكد اللواء أيمن عبد القادر أن التعديلات الجديدة على قانون المرور لم تأت من فراغ، بل جاءت بعد دراسة دقيقة للواقع المروري، ورصد مستمر لأسباب الحوادث.
العامل البشري وراء معظم حوادث الطرق
وقال إن العامل البشري يظل المتسبب الأول في غالبية الحوادث، سواء بسبب السرعة الزائدة، أو القيادة بدون ترخيص، أو الإهمال في صيانة المركبات، أو الاستهانة بقواعد المرور، وهو ما استوجب تدخلًا تشريعيًا حاسمًا.
وأوضح أن الهدف الحقيقي من هذه التعديلات هو حماية حياة المواطنين، قبل أي شيء آخر، مؤكدًا أن كل نص قانوني جديد يستهدف سلوكًا خاطئًا كان سببًا مباشرًا في حوادث أليمة أزهقت أرواح أبرياء.
وأضاف أن الدولة لا تسعى إلى تحصيل الغرامات، بل تسعى إلى ردع المخالف ومنعه من تكرار الخطأ.
القوانين تتصدى للسرعة المرتفعة على الطرق
وحول المادة 75 بعد تعديلها، أشار الخبير المروري إلى أنها من أهم المواد التي شهدت تشديدًا واضحًا، حيث نصت على الحبس أو الغرامة أو الجمع بينهما في حالات بالغة الخطورة، مثل قيادة مركبات النقل السريع بسرعات تتجاوز الحد الأقصى المقرر، أو تسيير مركبة بدون فرامل صالحة، سواء كانت الفرامل جميعها أو إحداها.
وأكد أن هذه المخالفات تمثل خطرًا مباشرًا على السائق ومستخدمي الطريق، خاصة أن مركبات النقل السريع ذات حمولة كبيرة وقدرتها على التسبب في حوادث جماعية مرتفعة.
وأضاف أن المادة شملت أيضًا تعمد إثبات بيانات غير صحيحة في نماذج المرور، وتعمد تعطيل حركة المرور أو إعاقتها، وعدم استيفاء إجراءات ترخيص مدارس تعليم القيادة، فضلًا عن الاعتداء على رجال المرور أثناء أداء عملهم.
وأوضح أن الاعتداء على رجل المرور ليس فقط جريمة في حق فرد، بل هو اعتداء على هيبة الدولة وسيادة القانون، وكان لابد من مواجهته بعقوبات رادعة.
مضاعفة العقوبات على السائقين حال تكراره
وأكد اللواء أيمن عبد القادر أن مضاعفة العقوبة في حالة تكرار المخالفة خلال ستة أشهر، ثم تشديدها أكثر في حالة العود للمرة الثالثة، يعكس فلسفة واضحة تقوم على التصعيد التدريجي للعقوبة، بما يضمن ردع المخالف المزمن الذي لا يرتدع بالعقوبات البسيطة.
وتناول الخبير المروري المادة 74 مكرر 2، موضحًا أنها استهدفت ظواهر شديدة الخطورة، مثل قيادة المركبات بدون ترخيص تسيير، أو انتهاء الترخيص دون تجديده، أو استخدام لوحات معدنية غير خاصة بالمركبة، أو التلاعب في بيانات اللوحات أو ألوانها أو علاماتها التأمينية.
وقال إن هذه المخالفات لا تقتصر خطورتها على الجانب المروري فقط، بل تمتد إلى الجانب الأمني، حيث تعيق ضبط المركبات المتورطة في حوادث أو جرائم.
وأشار إلى أن تشديد العقوبة لتصل إلى الحبس والغرامة، مع مضاعفتها في حالة التكرار، يهدف إلى القضاء على هذه الظواهر التي كانت منتشرة بشكل ملحوظ، مؤكدًا أن تحميل المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الاعتباري نفس العقوبات، إذا ثبت علمه بالمخالفة، يمثل نقلة نوعية في تطبيق مبدأ المسؤولية.
المرور يتصدى للقيادة بدون رخصة
وفيما يتعلق بالمادة 74 مكرر 4، أوضح اللواء أيمن عبد القادر أن القيادة بدون رخصة قيادة تعد من أخطر السلوكيات على الطريق، لأنها تعني أن السائق لم يخضع لأي اختبار حقيقي يؤهله للقيادة.
وأضاف أن كثيرًا من الحوادث المروعة كان أبطالها سائقون غير مؤهلين، وهو ما دفع المشرع إلى تشديد العقوبة ومضاعفتها في حالة العود.
وتطرق الحوار إلى المادة 74 مكرر 5، التي فرضت غرامات مالية كبيرة على القيادة بالمخالفة لأحكام معينة، مؤكدًا أن الغرامة المرتفعة وسيلة ردع فعالة، خاصة مع السائقين الذين لا يتأثرون بالعقوبات البسيطة، لافتًا إلى أن الحفاظ على النظام المروري له ثمن، ومن يصر على مخالفته عليه أن يتحمل نتيجة فعله.
كما أوضح الخبير المروري أن التعديلات شملت مواد تتعلق بتسيير المركبات بدون ترخيص، وفرض الضريبة السنوية كاملة، إلى جانب ضريبة إضافية، وهو ما يهدف إلى إنهاء ظاهرة تسيير المركبات المخالفة التي تشكل خطرًا على الطريق، ولا تخضع لأي رقابة فنية.
وتحدث اللواء أيمن عبد القادر عن المواد الخاصة بتلويث الطرق، وإصدار الضوضاء، وانبعاث الدخان الكثيف، وتسريب المواد القابلة للاشتعال أو الضارة بالصحة العامة، مؤكدًا أن هذه المخالفات لا تقل خطورة عن السرعة الزائدة، لأنها تهدد سلامة الطريق وصحة المواطنين، وقد تتسبب في حوادث جسيمة.
زيادة الوعي تساهم في القضاء على حوادث الطرق
وفي ختام الحوار، شدد الخبير المروري على أن القوانين مهما بلغت قوتها، تظل بلا جدوى حقيقية إذا غاب وعي المواطن.
وقال إن الوعي المروري هو خط الدفاع الأول ضد الحوادث، وإن التزام السائق بقواعد المرور، واحترامه للطريق ولمستخدميه، هو الضمان الحقيقي للحفاظ على الأرواح.
وأضاف أن ترسيخ ثقافة احترام القانون يجب أن يبدأ من الأسرة والمدرسة، وصولًا إلى الشارع، مؤكدًا أن الطريق مسؤولية الجميع، وأن إنقاذ حياة إنسان قد يبدأ بقرار بسيط من سائق ملتزم.

.jpeg)
