استعرض كتاب « الاتزان الاستراتيجى..ملامح من السياسة الخارجية المصرية في عشر سنوات» الذى أصدرته وزارة الخارجية، ملامح السياسة الخارجية لمصر والدور المصرى فى المنظمات الدولية والدبلوماسية متعددة الأطراف.
مساهمة مصر التأسيسية في النظام الدولى
ويوضح الكتاب أن جمهورية مصر العربية عضو مؤسس للنظام الدولي متعدد الأطراف الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، وقد ترأس الفقيه القانوني الدبلوماسي والقاضي المصري عبد الحميد بدوي، الوفد المصري ضمن ممثلي خمسين دولة شاركوا في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 الذي أقر ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
ومنذ هذا الإسهام التأسيسي، قام الموقف المصري على قناعة مفادها أن إقامة وتدعيم المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، هو الشرط الضروري لبناء علاقات دولية مستقرة، ونظام دولي عادل وفاعل، يقوم على احترام قواعد القانون الدولي، وتوازن المصالح والمسئوليات بين الدول المكونة له، والاحترام المتبادل للسيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية، والعمل على نشر ثقافة السلام والمساواة بين الدول والشعوب، والارتقاء فوق نزعات العنصرية والتطرف والعنف، والتعاون لتحقيق التنمية المستدامة والرخاء.
مشاركة مصر فى الجمعية العامة للأمم المتحدة
وبرزت ملامح الإسهام المصري في إطار منظومة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية متعددة الأطراف على مدار السنوات العشر الماضية، في محطات عدة منها حرص السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بمجرد توليه المسئولية ، على المشاركة المباشرة على مستوى القمة في أعمال الشق رفيع المستوى لخمس دورات متتالية للجمعية العامة للأمم المتحدة) من سبتمبر 2014 إلى سبتمبر 2019 ، لتأكيد التزام الجمهورية المصرية الجديدة الراسخ بدعم وتطوير منظومة الأمم المتحدة وتكريس استمرارية الدور المصري الرائد في هذه المنظومة.
وتضمنت هذه المشاركات لقاءات عديدة مع مختلف قادة ورؤساء دول العالم، لتعريفهم بتطورات الأوضاع في مصر وفي المنطقة خلال تلك الفترة الحساسة بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، والنجاحات التي تحققت في تنفيذ خريطة الطريق الوطنية والوفاء بالتزاماتها ، فضلاً عن الخطوات السريعة التي قامت بها مصر لتحقيق التنمية ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
مصر والهجرة الدولية
كما شهدت السنوات الماضية تزايدا مطردًا في تدفقات الهجرة باختلاف صورها سواء الشرعية وغير الشرعية إلى مصر، وفي ضوء المصاعب التي باتت تكتنف الهجرة الى أوروبا ونجاح الجهود المصرية في منع تسلل المراكب التي تحمل المهاجرين غير الشرعيين منذ سبتمبر 2016 ، لم تعد مصر دولة معبر ومصدر للاجئين كما كان عليه الحال في قبل عام 2014 ، بل أصبحت بالأساس دولة مقصد لآلاف المهاجرين من الدول المجاورة.
وتقوم الرؤية المصرية في المحافل الدولية التي تعالج قضايا الهجرة على التأكيد على مبدأ الإدارة المشتركة لتدفقات الهجرة بما يأخذ في الاعتبار مصالح الجميع، وضرورة تحقيق التوازن بين البعدين الأمني والتنموي، وأهمية معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية من خلال القضاء على الفقر وتطوير التعليم والتدريب ونقل المعرفة والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل بالدول المصدرة للهجرة -بما فيها مصر- لتخفيف حدة البطالة ومن ثم تخفيف معدلات الهجرة النظامية وغير النظامية كما شهدت السنوات العشر الماضية نشاطًا دبلوماسيًا مصريًا غير مسبوق في منظمة اليونسكو، حيث تم انتخاب مصر لعضوية المجلس التنفيذي للمنظمة في عامي 2017 و 2021 ، ولمدة أربع سنوات في كل مرة، وبالتالي فقد حافظت مصر على عضويتها في المجلس التنفيذي لمدة ثمانية أعوام من العشرة أعوام الماضية.
كما تم انتخاب مصر لعضوية لجنة التراث العالمي في عام 2019 ، وتم انتخاب مصر لرئاسة اللجنة الفرعية لاتفاقية 1970 )الخاصة بمكافحة الإتجار في البشر( خلال الفترة من 2018 إلى 2020 ، وانتخابها لرئاسة المجموعة العربية باليونسكو خلال عام 2019 .
نشاط مصر في اليونسكو والمنظمات الثقافية
وفي نفس الفترة، شهدت مصر إطلاق العديد من المشروعات الثقافية التي تمت بالتنسيق مع اليونسكو، من أبرزها افتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية في 2021 ، وترميم متحف الفن الإسلامي ومقتنياته بالتعاون مع اليونسكو في 2016 ، إضافة إلى تنفيذ العديد من المشروعات في إطار برنامج المشاركة بين مصر والمنظمة خلال السنوات العشر الماضية، وذلك في مجالات التعليم والعلم المفتوح وتمكين النساء والفتيات والمعلومات والتنوع الثقافي، فضلاً عن مشروع تطوير البنية التحتية للمركز القومي للتعلم الإلكتروني بالمجلس الأعلى للجامعات.
وحظيت الجهود الوطنية التي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ عام 2014 في القطاع الصحي على تقدير غير مسبوق من المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الصحة العالمية، فقد شهدت منظمة الصحة العالمية على أن مصر أصبحت “خالية من الملاريا”، وهو إنجاز هام في مجال الصحة العامة يتحقق في بلد يتجاوز تعداده 100 مليون نسمة، وسبق وعانى من الملاريا على مدار أكثر من 100 عام، كما قام مدير عام المنظمة في أكتوبر 2023 بتسليم سيادته شهادة المستوى الذهبي على مسار القضاء على فيروس “سى” في مصر، موضحًا أن مصر أصبحت الدولة الأولى في العالم التي تحصل على هذا الإشهاد بعد تحقيقها في زمن قياسي قصة نجاح عالمية يحتذى بها، في التحول من كونها أعلى دول العالم من حيث ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس إلى أول دولة في العالم تصل إلى هذا المستوى المتميز في القضاء عليه.
وشكلت قضايا حقوق الإنسان محورا أساسيًا للسياسة الخارجية المصرية، حيث اكتسبت أهمية متزايدة بالتزامن مع التحديات التي واجهت مصر على الصعيدين الإقليمي والدولي بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، وقد نجحت الدولة المصرية خلال العقد الأخير وتحديداً من يونيو 2014 في الانتقال من مرحلة التصدي لنمط تعامل الآليات الإقليمية والدولية مع ملف حقوق الإنسان في مصر، وتوضيح حقائق الوضع في مصر والمنطقة، إلى مرحلة استعراض الإنجازات التي حققتها الدولة في هذا الملف الهام وتعزيز صورة مصر في المحافل الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، والتأكيد على الملكية الوطنية لهذا الملف وقيادة الدولة لجهود التطوير فيه.
حقوق الإنسان والسياسة الخارجية المصرية
ويقوم التحرك المصري في المنظمات والمحافل الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان على المستوى الثنائي المعني بإبراز التطور المستمر والمطرد الذي يشهده هذه الملف في مصر، ومتابعة التواصل الثنائي سواء مع هذه المنظمات، أو مع بعض الدول الأعضاء بها لشرح التطورات المصرية والتأكيد على الوفاء بالالتزامات المصرية تجاه هذه المنظمات والآليات، والمستوى الموضوعي القائم على التحرك -بالتنسيق مع الكتل السياسية والجغرافية والمجموعات متشابهة الفكر - لتطوير منظومة حقوق الإنسان ذاتها بما يتسق مع المصالح الوطنية، والتأكيد على إعطاء نفس القدر من الاهتمام لتعزيز الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.