أكد الدكتور محمد وازن، المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أن استقدام يهود "الفلاشا" (اليهود من أصول إثيوبية) إلى إسرائيل كان يهدف في المقام الأول إلى خلق واقع ديموغرافي جديد وخدمة أهداف سياسية وعسكرية بعيدة كل البعد عن الاعتبارات الدينية الصرفة.
توظيف سياسي بـ "فتوى دينية"
وأوضح وازن، خلال لقائه ببرنامج "إسرائيل من الداخل" على قناة "إكسترا نيوز"، أن الفتوى الدينية التي صدرت عام 1973 من الحاخام "عوفاديا يوسف" بالاعتراف بيهودية الفلاشا كانت "فتوى سياسية" بامتياز. وأشار إلى أن توقيت هذه الفتوى تزامن مع حاجة إسرائيل الماسة لزيادة عدد السكان والعمالة، وتجييش أكبر عدد ممكن من الأفراد في أعقاب حرب أكتوبر 1973، لاستخدامهم كبيادق في الحروب وصناعة واقع ديموغرافي يدعم التوسع الاستيطاني.
فجوة دينية وعزلة ثقافية
وكشف وازن عن وجود فجوة دينية عميقة بين يهود الفلاشا والمؤسسة الحاخامية الرسمية؛ حيث يؤمن الفلاشا فقط بأسفار موسى الخمسة (التوراة المكتوبة) بلغة "الجيز" (اللغة الإثيوبية القديمة)، ولا يعترفون بـ "التلمود" أو التفسيرات الحاخامية الحديثة. هذا الاختلاف جعل المؤسسة الدينية في إسرائيل تنظر إليهم نظرة دونية، وتعتبر يهوديتهم "ناقصة"، مما دفعها لفرض طقوس تهويد رمزية عليهم (مثل الغطس في "المكفاه") كشرط لقبولهم، وهو ما يراه الفلاشا إهانة لمعتقداتهم التاريخية.
مواطنون من الدرجة الثالثة
ووصف الخبير في الشأن الإسرائيلي وضع الفلاشا داخل المجتمع الإسرائيلي بأنهم "مواطنون من الدرجة الثالثة"، حيث يعانون من تهميش اجتماعي واقتصادي واسع، ويتم إسكانهم في المستوطنات الأكثر فقراً. وأضاف: "إسرائيل توظفهم سياسياً لملء الوحدات الاستيطانية الجديدة، مثل مشروع (E1)، لإعطاء انطباع واهم للعالم بوجود كثافة سكانية تستدعي التوسع، بينما تظل تلك المستوطنات شبه خالية في الحقيقة".
وقود للحروب بلا تمثيل سياسي
ولفت الدكتور محمد وازن إلى أن يهود الفلاشا، الذين يبلغ عددهم نحو 170 ألف نسمة، يُدفع بهم إلى مقدمة الصفوف في جيش الاحتلال الإسرائيلي أملاً منهم في الحصول على اعتراف مجتمعي، إلا أنهم لا يجدون سوى التهميش؛ فلم يشغل أي منهم منصباً وزارياً بحقيبة حقيقية، ويواجهون عنفاً شرطياً وعنصرية مفرطة، وهو ما أدى لاندلاع احتجاجات واسعة من قبلهم في السنوات الأخيرة.
طمس الهوية الدينية
واختتم وازن حديثه بالإشارة إلى "عيد سيجد"، وهو من أقدس أعياد الفلاشا، مؤكداً أن إسرائيل حاولت امتصاص غضبهم بالاعتراف بالعيد رسمياً، لكنها حولته إلى "مهرجان فلكلوري سياحي" مفرغ من قيمته الدينية والروحية، مما عمّق الشعور بالاغتراب لدى هذه الطائفة التي وجدت نفسها تعيش في "خداع دائم" من قبل حكومة الاحتلال.