بيشوى رمزى

إسرائيل.. وتآكل الاستثناء في التحالفات الأمريكية

الخميس، 25 ديسمبر 2025 09:08 ص


الأزمة الكبيرة التي يواجهها حلفاء الولايات المتحدة، خلال عقود من الاعتماد الكلي عليها سياسيا واقتصاديا وأمنيا، تجلت بوضوح في إغفالهم، ربما عن عمد أو العكس، موقع واشنطن نفسها على الخريطة الدولية، وهو ما يعد بمثابة المقابل الذي تقدمه تلك الدول مقابل ما تحصل عليه من مزايا، فالولاء والدوران في الفلك الأمريكي، بالنسبة للأوروبيين، كانت كافية لتنتصر أمريكا في حربها الباردة أمام الاتحاد السوفيتي، بينما بقت الأمور كذلك لفترة، في حقبة الأحادية، في ضوء الضغوط الجمعية التي مورست على مساحة أكبر من الكوكب، حتى تنضوي غيرها تحت راية التحالف مع القوى المهيمنة على العالم، وهو ما يرجع في الأساس إلى غياب المنافسة الدولية، فلم تكن هناك قوى أخرى يمكنها مزاحمة بلاد العم سام، على قمة النظام العالمي، حتى ظهرت المنافسة، فصار المقابل المطلوب من الحلفاء أكبر، وربما أشد قسوة من مجرد الولاء، في ضوء ارتباطه، بحسب رؤية الإدارة الحالية، بأمور تتعلق بالسيادة والاقتصاد، مقابل الحماية الأمنية.

وأما إسرائيل، فكانت تحظى بوضع خاص، بين حلفاء أمريكا، فارتبطت علاقتها بالولايات المتحدة بمسارين رئيسيين، أولهما خلق وجود أمريكي مؤثر في منطقة الشرق الأوسط، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما كانت تتهيأ واشنطن للقيام بدور القيادة العالمية، بينما في مسار آخر، كانت عاملا مؤثرا في مسألة بقاء سيد البيت الأبيض، فعندما ضجرت من باراك أوباما، على خلفية الاتفاق النووي مع إيران في 2015، ساهمت في الإطاحة بامتداده في الانتخابات اللاحقة (هيلاري كلينتون)، لصالح الرئيس دونالد ترامب، وساهمت في إعادته مجددا إلى البيت الأبيض في 2025، عبر الترويج له من خلال أذرعها الدينية والإعلامية، ظنا أنه سيواصل الدعم غير المشروط لتل أبيب، وكأن نتنياهو وحكومته لم يدركوا التغيير الكبير في علاقة أمريكا بحلفائها، خلال ولايته الأولى، واعتبر أن استثنائه سيتواصل في الولاية الثانية.

وارتباط إسرائيل بالبيت الأبيض تحديدا، ليس بالأمر الجديد على الإطلاق، فعندما خرجت خاسرة من مفاوضات السلام مع مصر في أواخر السبعينات من القرن الماضي، خرج جيمي كارتر من منصبه بعد فترة رئاسية واحدة، رغم الإنجاز الذي تحقق، والمتمثل في تحقيق سلام رسمي بين الدولة العبرية ودولة عربية رائدة، بالإضافة إلى كونه خطوة واسعة لتتصدر واشنطن المشهد في الشرق الأوسط، كوسيط في قضيته المركزية، وهي قضية فلسطين، ناهيك عما أسفر عنه ذلك من نقاط فازت بها الولايات المتحدة في الأمتار الأخيرة من صراعها مع الاتحاد السوفيتي.

ولكن على غرار أوروبا، المعادلة تتغير وقواعد اللعبة أصبحت مختلفة، فعندما قدمت واشنطن المظلة الداعمة لتل أبيب على مدار عقود، كان الهدف الرئيسي هو النفوذ في منطقة بعيدة جغرافيا، دون استعمار على غرار أوروبا، لتقوم الدولة العبرية بهذا الدور عسكريا، بينما تدخل أمريكا كوسيط، وإن كان معروفا بانحيازه، ولكن لا غنى عنه لغياب البديل، بينما كانت تتغنى مرارا وتكرارا بذرائع عدة لتبرير مواقفها المنحازة، عبر توصيف حليفتها المدللة بـ"الجار المضطهد" تارة، والنموذج الديمقراطي الوحيد في منطقتها تارة أخرى، وهي الأمور التي تغيرت جذريا خاصة في العامين الأخيرين، مع الاعتداءات الوحشية على غزة، والعدوان على العديد من دول الإقليم، واستهداف المنظمات الإنسانية، ناهيك عن القمع الداخلي وإسكات الأراء، وهو ما ظهر مؤخرا مع قرار إغلاق إذاعة الجيش الإسرائيلي، بعد 77 عاما من العمل.

السلوك الإسرائيلي المتهور، ساهم في تعزيز رؤية الرئيس ترامب نحو الحلفاء بشكل عام، بينما حرم تل أبيب نفسها من أية استثناءات، في هذا الإطار، خاصة وأنها، خلال العامين الماضيين، كشفت عوارا كبيرا في الدور الأمريكي نفسه، في العديد من المسارات، أهمها إنساني، حيث جرد الفيتو المتواتر واشنطن من دورها الذي طالما روجت له باعتبارها المحامي الحقوقي الأول على النطاق الدولي، وآخر سياسي، مع تقويض الثقة الإقليمية في امتلاك الوسيط الأمريكي الحد الأدنى من الحياد الذي يؤهله للقيام بهذا الدور، وهو ما يعني تراجع الدور الأمريكي، خاصة وأن حماقة الحليف طالت أمريكا نفسها، عندما دأبت على رفع راية العصيان إبان عهد بايدن، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تقزيم صورة أمريكا بين القوى الإقليمية.

الرئيس ترامب عندما عاد إلى البيت الأبيض، تدارك أخطاء الإدارة السابقة، فأدار، إلى جانب القوى الإقليمية الفاعلة، اتفاق وقف إطلاق النار، وأطلق خطته من شرم الشيخ في حضور زعماء العالم، رغم إرادة نتنياهو، الذي يرغب في مواصلة القتال لأهداف شخصية، وبالتالي فإن التراجع عن تنفيذ الخطة بكل مراحلها يعني عودة إلى المربع الأول، ليس فقط بالنسبة للإقليم، ولكن للولايات المتحدة نفسها، من خلال التراخي مع الحليف، وهو ما لم يعد مناسبا مع رؤية واشنطن تحت الإدارة الحالية، والتي باتت ترى أن ثمن الدعم والتحالف أصبح مختلفا ومكلفا، في الوقت الذي لم تعد أوراق إسرائيل، والمرتبطة ببقاء سيد البيت الأبيض، بنفس الزخم الذي كانت تحظى به، على الأقل خلال حقبة الرئيس ترامب، والذي يعيش ولايته الثانية، وهي الأخيرة طبقا للدستور، وبالتالي لن يتنافس في انتخابات جديدة، بينما تغير المزاج نوعيا في الشارع الأمريكي في إطار ميول نسبية للتيار الشعبوي، داخل الحزب الجمهوري، وغياب الانسجام إلى حد كبير مع الديمقراطيين، وهي أمور لا يمكن التغاضي عنها عند تحليل العلاقة بين واشنطن وتل أبيب في المرحلة الراهنة.

وهنا يمكننا القول بأن إسرائيل ربما لم تخسر الدعم الأمريكي بالكامل، ولكنها لم تحصل على استثناء بين تحالفات واشنطن، فاستمرارية الدعم له ثمن، والثمن ليس مجرد ولاء أو كلمات معسولة، وإنما خضوع كلي للرؤية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بخطة الرئيس الأمريكي للسلام، والتي يمثل أي إخلال بأحد بنودها تراجعا كبيرا فيما تحقق خلال الأشهر الماضية، وعودة صريحة لسياسات وصفها الرئيس ترامب نفسه بـ"التراخي"، وهو وإن كان حديثا عاما عن علاقة واشنطن بحلفائها في صورتهم الجمعية، إلا أنه لم يستثني تل أبيب، حتى وإن طغت الابتسامة والأحضان وتشابك الأيدي على الصور، فما يدور خلف الكواليس أكثر تعقيدا يتماهى مع لحظة دولية معقدة بالفعل.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة