شهد المسرح المصري خلال عام 2025 حراكا فنيا استثنائيا، عاد فيه "أبو الفنون" إلى صدارة المشهد الثقافي، مسجلا انتعاشة واضحة على مستوى الإنتاج، والحضور الجماهيري، وتنوع الرؤى الإخراجية، إلى جانب اتساع رقعة الفعاليات المحلية والدولية، لم يكن 2025 عاما عاديا، بل موسما كاملا لاستعادة الثقة بين خشبات المسرح والجمهور، وقف في قلبه البيت الفني للمسرح باعتباره القاطرة الأكبر للحركة المسرحية المصرية.
"البيت الفني للمسرح" عام من التجدد وتوسع الخريطة الإنتاجية
شهد البيت الفني للمسرح عبر فرقه المختلفة نشاطا متصاعدا خلال 2025 على مستوى العروض والبرامج والمشاركات الرسمية، حيث تنوعت الخريطة الإنتاجية على مدار العام، وبرز ذلك من خلال مواسم مسرحية متعددة، فضلا عن المشاركة المكثفة في المهرجانات المسرحية المحلية والعربية.
وقدم البيت الفني للمسرح عددا من الأعمال الجديدة والمتميزة، من أبرزها "لعبة النهاية" و"كارمن" لفرقة مسرح الطليعة، والذي حقق نجاحا جماهيريا وفنيا لافتا، ليصبح أحد العروض المصرية المرشحة للمشاركة في مهرجان المسرح العربي، الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح وتستضيف مصر دورته السادسة عشرة.
وكان النصيب الأكبر من الإنتاج لفرقة المسرح الحديث، التي قدمت ثلاثة عروض حديثة الإنتاج وحققت جميعها نجاحا جماهيريا واضحا، وهي "يمين في أول شمال" الذي حصد عدة جوائز من بينها جائزة من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، وأربع جوائز متنوعة في الدورة الثالثة من مهرجان المنيا الدولي للمسرح، إلى جانب عرضي "سجن النسا" و"كازينو".
كما قدمت فرقة مسرح الغد "حكايات الشتا"، بينما قدمت فرقة مسرح الشباب عرض "فندق العالمين"، وفي محافظة الإسكندرية قدمت فرقة مسرح الإسكندرية عروضا لافتة منها "حازم حاسم جدا" و"غرام في المسرح"، وفيما شهدت القاهرة عروضا جماهيرية لفرقة المسرح الكوميدي من بينها "في يوم وليلة"، و"العيال فهمت".
مسرح الطفل والأسرة.. استثمار في الوعي والوجدان
على صعيد مسرح الطفل والأسرة، أولى البيت الفني للمسرح اهتماما ملحوظا بهذا القطاع، عبر تقديم مجموعة من العروض التي تسهم في تعزيز القيم الاجتماعية والأخلاقية لدى الأطفال، ومن أبرز هذه العروض "أسطورة أرض الفراولة" لفرقة مسرح الشمس لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة، و"مملكة الحواديت" لفرقة المسرح القومي للأطفال، و"مروان وحبة الرمان"، و"قطرة ندى" لفرقة مسرح القاهرة للعرائس.
وكان العرض الأكثر تأثيرا "ذات والرداء الأحمر" الذي حقق نسبة حضور جماهيري كبيرة، وحصد عدة جوائز من مهرجان الطفل العربي من بينها أفضل عرض أول، وأفضل إخراج، وأفضل ممثلة، وأفضل نص، كما شارك عربيا في مهرجان نيابولس الدولي بتونس.
"الملك لير".. عودة الوهج إلى المسرح القومي
مثلت عودة العرض المسرحي "الملك لير"، ذروة الموسم المسرحي لعام 2025، حيث أعاد الفنان الكبير يحيى الفخراني الوهج إلى خشبة المسرح القومي، مؤكدا مكانته كأحد أعمدة التمثيل المسرحي في مصر، هذا العرض أعاد المسرح الكلاسيكي إلى واجهة المشهد بعد سنوات من الغياب، وحقق حضورا جماهيريا غير مسبوق، رافعا لافتة "كامل العدد" طوال فترة عرضه، وإلى جانب النجاح المحلي، حظى"الملك لير"بحضور عربي مميز، إذ اختير ليكون العرض الشرفي في افتتاح الدورة الـ 26 من مهرجان أيام قرطاج المسرحية بتونس، أحد أبرز الأحدث المسرحية العربية.
ومن أبرز التطورات التي شهدها المسرح لأول مرة، شهد هذا العرض انطلاق تجربة الحجز الإلكتروني للتذاكر بشكل تجريبي، في خطوة تعكس سعي البيت الفني للمسرح لمواكبة التحول الرقمي وتيسير وصول الجمهور إلى العروض، وتعد مسرحية "الملك لير" واحدة من أعظم كلاسيكيات المسرح العالمي للكاتب الإنجليزي الشهير ويليام شكسبير، وتجسد إحدى أعمق المآسي في الأدب الإنجليزي، حيث تدور الأحداث حول الملك لير الذي قرر أن يوزع أملاكه على بناته الثلاث، ولأن ابنته الصغرى لم تشأ أن تنافقه فقد حرمها من نعمه، وأثناء توزيعه للأملاك اشترط أن يقيم مع كل واحدة من بناته لفترة معينة، لكن ابنتيه الكبيرتين تقرران الاستيلاء على كل شيء وتطردان والدهما.
ويشارك يحيى الفخراني البطولة نخبة من الفنانين من بينهم طارق الدسوقي، إيمان رجائي، أمل عبد الله، لقاء علي، محمد العزايزي، تامر الكاشف، أحمد عثمان، عادل خلف، حسن يوسف، حازم صلاح، وهو من إخراج المخرج شادي سرور، ومن إنتاج فرقة المسرح القومي تحت قيادة مدير الفرقة الدكتور أيمن الشيوي.
مبادرة "أول ضوء - الأحلام تتحقق".. نافذه لاكتشاف جيل جديد
ضمن خطة قطاع المسرح خلال عام 2025، أطلق البيت الفني للمسرح مبادرة "أول ضوء - الأحلام تتحقق" والتي تنفذه فرقة مسرح الشباب بقيادة المخرج تامر كرم، مستهدفة إتاحة الفرصة أمام جيل جديد من المخرجين الشباب الذين لم يسبق لهم تقديم عروض داخل البيت الفني للمسرح، وجاءت المبادرة كخطوة عملية لدعم الدماء الجديدة وتجديد الخريطة الإخراجية، حيث أتاحت للمواهب الشابة العمل داخل منظومة إنتاجية احترافية، بما يسهم في اكتشاف أصوات مسرحية جديدة قادرة على ضخ أفكار ورؤى معاصرة في جسد الحركة المسرحية.
مسرح المواجهة والتجوال.. المسرح الذي ذهب إلى الناس
2025 كان عاما ذهبيا لمشروع "مسرح المواجهة والتجوال" تحت إشراف المخرج محمد الشرقاوي، الذي واصل رحلته خارج العاصمة، متنقلا بين المحافظات والقرى والنجوع والمناطق الحدودية، في أكبر توسع يشهده المشروع منذ إطلاقه في 2018، فالبيت الفني للمسرح واصل عبر هذا المشروع حضوره في المحافظات والنجوع والمناطق الحدودية والقرى الأكثر احتياجا، ليحول المسرح من نشاط "نخبوي" داخل المدن إلى مشروع وطني يخاطب الشارع المصري مباشرة.
وشهدت المرحلة الخامسة من المشروع الممتدة من سبتمبر 2024 حتى مايو 2025 تقديم ثمانية عروض مسرحية في 160 ليلة عرض داخل 33 محافظة، استهدفت العروض بشكل رئيسي المناطق الحدودية، والقرى النائية الأكثر احتياجا، ليستفيد منها ما يقارب من مليون مواطن، تنفيذا لتوجيهات القيادة السياسية بنشر الثقافة وتعزيز الوعي في كافة أنحاء الجمهورية.
وتنوعت العروض بين "دارت الأيام" التي قُدمت في محافظتي بورسعيد والدقهلية من إنتاج مسرح الهناجر، بينما قدم مسرح القاهرة للعرائس العرض الشهير "الليلة الكبيرة" في مناطق حلايب وشلاتين والمنوفية، في حين جال العرض الكوميدي "حازم حاسم جدا" محافظتي أسيوط وقنا، وسط تفاعل جماهيري في محافظات الصعيد، كما استهدف العرض التوعوي "توتة توتة" عددًا من قرى ومراكز الدقهلية والمنوفية والبحيرة، مقدمًا رسائل مجتمعية بأسلوب مسرحي مبسط ومؤثر.
وفي ضوء نجاح المرحلة الخامسة، أطلقت وزارة الثقافة المرحلة السادسة للمشروع في ثوب مختلف وجديد، مع توسيع رقعة التجوال لتشمل محافظات وقرى حدودية جديدة، وقال مدير فرقة المواجهة والتجوال في تصريحات سابقة، إن المرحلة السادسة، لا تقتصر كسابقاتها على تقديم العروض المسرحية فحسب، وإنما تشمل فعالياتها لتشمل معارض للفنون التشكيلية والكتاب وورشا تدريبية، إلى جانب العروض المسرحية، التي تتنوع بين المسرح والفنون التراثية والشعبية، في إطار رؤية شاملة لتحقيق العدالة الثقافية.
ومن المقرر أن تستمر فعاليات المرحلة السادسة حتى يونيو 2026، وشهد انطلاق المرحلة السادسة من محافظة قنا في احتفالية كبرى، حيث قدم باقة من الأنشطة الفنية والثقافية المتنوعة شملت معرضا للفنون التشكيلية معرضا للكتاب، معرضا للحرف اليدوية، بالإضافة إلى العرض المسرحي "توتة توتة" من إنتاج البيت الفني للمسرح، وتستمر الفرقة جولاتها الفنية في عدد من المحافظات منها الشرقية وكفر الشيخ والغربية، أسيوط وشمال وجنوب سيناء، المنيا، البحيرة والفيوم وغيرها من المحافظات.
عروض جماهيرية صنعت الحضور.. "حواديت" و"الأرتيست"
إلى جانب العروض التي قدمها البيت الفني للمسرح، شهد عام 2025 حضورا جماهيريا قويا لعدد من العروض التي نجحت في بناء تواصل مباشر مع الجمهور، من أبرزها عرض "حواديت" للمخرج خالد جلال، الذي قدم تجربة مسرحية تعتمد على الحكي واستعادة الروح الشعبية للمسرح، مع أداء جماعي نابض وطاقة شبابية واضحة.
كما برز عرض "الأرتيست" كأحد نماذج المزج بين الاستعراض والدراما، معتمدا على الإبهار البصري والإيقاع السريع، وهو ما انعكس في الإقبال الجماهيري الكبير، الذي حققه العرض، خاصة بين فئة الشباب، وقد شكّل «الأرتيست» نموذجا لعروض الجذب الجماهيري التي لا تتنازل عن قيمتها الفنية.
وكشفت تجارب مثل «حواديت» و«الأرتيست» أن انتعاشة 2025 لم تقتصر على العروض الكلاسيكية أو التجريبية فقط، بل شملت أيضا العروض الجماهيرية القادرة على بناء علاقة حية مع الجمهور،وهو ما عزز من عودة المسرح إلى قلب المشهد الثقافي.
المسرح الجامعي والهواة
شهد عام 2025 حضورا لافتا لمسرح الهواة، الذي واصل أداء دوره كمساحة حرة للتجريب، ومنصة أولى لاكتشاف المواهب الشابة،حيث قدمت العديد من العروض رؤى جريئة وموضوعات معاصرة رغم محدودية الإمكانات.
وفي هذا السياق، برز مهرجان "آفاق مسرحية" كنموذج حي وفعال لدعم مسرح الهواة، من خلال احتضان التجارب الشابة داخل إطار تنظيمي محترف، وإتاحة العرض على مسارح رسمية،والاحتكاك المباشر بلجان تحكيم ونقاد ومتخصصين، لم يكتفِ المهرجان بدور العرض فقط ، بل لعب دورا تثقيفيا من خلال الندوات وورش التدريب، ما جعله جسرا حقيقيا بين الهواية والاحتراف.
كما قدم المسرح الجامعي خلال 2025 تجارب لافتة، اتسمت بالجرأة في اختيار النصوص والرؤى، مؤكدة موقعه كأحد أهم روافد الحركة المسرحية، وأثبتت هذه التجارب أن المسرح الجامعي لا يعمل بمعزل عن المشهد العام، بل يقدم تجارب قادرة على الانتقال لاحقًا إلى المهرجانات الكبرى، وكان ملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي في دورته السابعة هذا العام نموذجا واضحا لجذب طلاب الجامعات المصرية والعربية والدولية.
حفظ الذاكرة المسرحية
ومن أبرز ما شهدته الساحة في 2025، قيام المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، برئاسة المخرج عادل حسان، بتدشين مشروع الأرشيف الوطني وقاعدة بيانات لدعم الفرق والمهرجانات الفنية المستقلة والحرة، في خطوة مهمة نحو الحفاظ على الذاكرة المسرحية المصرية وتوثيق تاريخها.