في ظل الانتشار الواسع للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، بات التصوير سلوكًا يوميًا يمارسه الكثيرون خاصة غير المختصين وأصحاب الصفحات على السوشيال ميديا الطامحون في نسب مشاهدة دون إدراك لحدوده القانونية أو الإنسانية.
ورغم ما يتيحه التطور التكنولوجي من سهولة في توثيق اللحظات، إلا أن هذا الأمر تحوّل في بعض الأحيان إلى وسيلة لانتهاك خصوصية الغير، خاصة في الأماكن والمناسبات الخاصة التي يفترض فيها احترام المشاعر والظروف الإنسانية.
اختراق الخصوصية بالتصوير في العزاء والفرح
وتبرز خطورة هذا السلوك بشكل واضح في مناسبات مثل العزاءات والجنازات، حيث يعيش ذوو المتوفى لحظات حزن وألم لا تحتمل التوثيق أو النشر.
كما يمتد الأمر إلى الأفراح والاحتفالات العائلية واللحظات الخاصة، التي قد يرفض أصحابها بطبيعتهم تصويرها أو تداولها خارج إطارهم الشخصي.
ورغم ذلك، يلجأ البعض إلى رفع الهواتف والتقاط الصور أو مقاطع الفيديو دون استئذان، غير مدركين أن ما يفعلونه قد يعرّضهم للمساءلة القانونية.
القانون يتصدى لتصوير الغير دون إذن
القانون المصري تعامل بحزم مع هذه الظاهرة، باعتبار أن تصوير الأشخاص دون علمهم أو موافقتهم يُعد اعتداءً على حرمة الحياة الخاصة، وهي من الحقوق التي كفلها الدستور وحماها القانون. ولا يقتصر التجريم على النشر فقط، بل يمتد إلى فعل التصوير ذاته متى تم دون رضا صريح من الشخص المعني، خاصة إذا وقع في مكان خاص أو في مناسبة ذات طابع إنساني أو عائلي.
وتنص القوانين المنظمة، وعلى رأسها قانون العقوبات وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، على عقوبات تتراوح بين الحبس والغرامة لكل من يلتقط أو يسجل أو ينقل صورًا أو مقاطع فيديو لأشخاص دون موافقتهم. وتتشدد العقوبة حال نشر المحتوى أو تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو استخدامه بقصد الإساءة أو التشهير أو تحقيق منفعة غير مشروعة.
كما أن إعادة نشر محتوى ينتهك الخصوصية قد تضع الناشر تحت طائلة القانون، حتى وإن لم يكن هو من قام بالتصوير.
ويؤكد خبراء في الشأن القانوني أن الجريمة لا تشترط توافر نية الإضرار، إذ يكفي قيام الفعل المخالف للقانون لوقوع المسؤولية الجنائية.
كما يشددون على أن الرضا لا يُفترض، ولا يُستنتج من مجرد التواجد في مكان عام أو مناسبة اجتماعية، بل يجب أن يكون واضحًا وصريحًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاهد مؤثرة أو لحظات خاصة.
ولا تقتصر أبعاد القضية على الجانب القانوني فقط، بل تمتد إلى البعد الأخلاقي والإنساني، فالتقاط صورة لشخص في لحظة ضعف أو حزن، أو نشر مقطع من جنازة أو عزاء، يمثل تعديًا على المشاعر قبل أن يكون مخالفة قانونية.
كما أن تصوير الأفراح دون إذن قد يتسبب في إحراج أصحاب المناسبة أو تعريضهم لمواقف غير مرغوبة، خاصة مع سرعة انتشار المحتوى عبر الإنترنت.
التنسيق المسبق قبل تصوير العزاء والأفراح
وفي هذا السياق، تبرز أهمية التنسيق والاستئذان قبل التصوير، باعتبارهما خط الدفاع الأول لحماية الخصوصية وتجنب الوقوع تحت طائلة القانون، فالحصول على إذن مسبق لا يحمي فقط المصور من المساءلة، بل يعكس احترامًا للآخرين وتقديرًا لحقهم في التحكم في صورهم وحياتهم الخاصة.
كما أن الامتناع عن التصوير في بعض المناسبات، حتى مع وجود إذن ضمني، يظل تصرفًا راقيًا يراعي طبيعة الموقف وحساسيته.
وتأتي هذه الضوابط في إطار السعي إلى ترسيخ ثقافة احترام الخصوصية، وضبط استخدام التكنولوجيا الحديثة، التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، فحرية استخدام الهاتف أو الكاميرا لا تعني إطلاقًا حرية التعدي على حقوق الآخرين، ولا تبرر تحويل اللحظات الإنسانية إلى محتوى متداول على منصات التواصل.
زيادة الوعي القانوني باحترام الخصوصية في التصوير
وفي ظل تزايد القضايا المرتبطة بالتصوير دون إذن، تتجدد الدعوات لرفع الوعي القانوني والمجتمعي، خاصة بين الشباب، بخطورة هذا السلوك وتداعياته، فاحترام الحياة الخاصة ليس فقط التزامًا قانونيًا، بل هو سلوك حضاري يعكس وعي المجتمع وقدرته على التعايش في ظل التطور التكنولوجي.
وتبقى القاعدة واضحة: الاستئذان قبل التصوير واجب، واحترام خصوصية الغير خط أحمر، وكل تجاوز لذلك يضع مرتكبه تحت المساءلة القانونية، حمايةً للمجتمع وصونًا لكرامة أفراده.