بمناسبة الجدل الدائر حاليا أو يندلع كل فترة حول الفن والثقافة والمصريين، والعلاقة مع الأشقاء فى الدول العربية شرقا وغربا، والواقع أننا نكتشف قيمة كل منتجاتنا الثقافية والفنية كلما تعرض هذا الفن لما نظنه هجوما أو محاولات انتقاص، بينما يفترض أن نكون أكثر اعتدالا وتوازنا ونحن نتعامل مع هذا الإنتاج من السينما والمسرح والفن التشكيلى والشعر والرسم والغناء والتواشيح وقراءة القرآن، فقد تشكلت هذه المنتجات على مدى عقود، وصنعت تراكما كبيرا من هذه الفنون تمثل قوتنا الناعمة.
ولا يفترض أن نتعامل بحساسية مع أى محاولة لتقديم عمل يتعلق برمز أو قيمة لقوتنا الناعمة، كأننا نكتشف هذه القيمة الآن، فلا يمكن لعمل أو عشرات الأعمال أن تهدم ثقافة أو قيمة، وفى نفس الوقت فإن النقد هنا مشروع والتعامل بقواعد النقد والفن، وألا يكون هناك سور من قبل بعض الأطراف لمنع الحديث أو الانتقاد، خاصة إذا كنا أمام عمل يفتقد إلى قواعد أو أسس، ويزور معلومات أو يبدو متفسخا وخاليا من المعنى، النقد هنا طبيعى، لكن فى إطار الفن، وليس فى إطار المبالغة والهجوم والتطاول.
وللحق فإننا لا نسافر إلى أى قطر عربى إلا ونجد الاحتفاء والاحترام للفنون المصرية، بكل أنواعها، خاصة السينما والدراما التى نشرت اللهجة المصرية وجعلتها عاملا مشتركا فى كل الدول ومع كل الأشقاء، وفى كل بلد عربى وجدنا هذه المشاعر المتراكمة، حتى ولو كانت أحيانا مرفقة بعتاب لكون اهتمام الدول العربية بالمنتج الثقافى المصرى لا يقابله تبادل للشعور من قبل المصريين، ربما لأسباب كثيرة وتراكمات وتحولات ألقت بظلالها على العلاقات الرسمية أحيانا، لكنها أبدا لا تؤثر على العلاقات الشعبية، وأتحدث عن أغلبية الأشقاء فى العراق والأردن والسعودية واليمن وليبيا والإمارات والكويت والمغرب وتونس والجزائر والسودان وموريتانيا وسوريا، هذا على المستوى الشعبى، حيث يتشارك العرب فى الكثير من التفاصيل وتوحدهم التفاعلات المباشرة والسفر والسكن والتعامل والعمل، وهذا لا يمنع من وجود أحداث أو حالات تقع فيها اختلافات بسبب العمل أو المنافسة، لكنها تبقى فى سياق طبيعى وبنسب صغيرة ولا يمكن التعميم فيها.
المفارقة مثلا إننى أثناء حضور مؤتمر حول اللغة العربية فى الجزائر الشقيقة فى الصيف الماضى، وجاءت مناسبة اللهجات، واتفق كثيرون حول كون اللهجة الصرية انتشرت بالدراما، لكن كانت هناك انتقادات لأعمال سينمائية أو غنائية تستعمل ألفاظا ولهجات وكلمات لا علاقة لها باللغة العربية ولا اللهجة المصرية، فى إشارة إلى المنتجات التى تروج من قبل بعض الفنانين المختلين أو عبيد التريند ممن يروجون أنهم الأوائل والأعظم، بينما أغلب أعمالهم تخلو من القيمة، أو لا تحظى باتفاق حتى ولو روجتها تريندات ورعايات إعلانية، بجانب بعض عمليات التلميع لأنواع منخفضة القيمة من الفنون كأنها هى القاعدة، وهو أمر يلفت النظر ويجد صدى.
الأمر الآخر أن الفنون والمنتجات المصرية تمثل رصيدا عربيا لا يفترض أن نتعامل معه بحساسية، ونفرح عندما نرى الاحتفاء بالفنون المصرية فى أى من الدول الشقيقة، أو حتى خارج الإطار العربى والأفريقى، فى أوروبا وأمريكا وغيرها، والحديث عن القوة الناعمة المصرية لا يعنى تجاهل المنتجات الثقافية غناء سينما دراما من دول عربية شرقا وغربا، بل يفترض أن نشجع أى محاولة للتعامل مع الفنون والموسيقى، أو سعى بعض الأشقاء لبناء مؤسسات ثقافية على الطريقة المصرية، كالأوبرا أو السينما أو الدراما، وحتى ذهاب فنانين أو مطربين أو إعلاميين لهذه الدولة أو تلك فهو أمر طبيعى ومعمول به على مدى عقود بالإعارات والتبادل الثقافى، أو حتى بإطلاق مناسبات تتم خلالها دعوة نجوم لتقديم أعمال مصرية فنية، فهو أمر طبيعى.
وتحدث الاختلافات من سلوك بعض النجوم فى التعامل بدونية، مع الخارج، وهذا ليس ذنب فلان أو علان، وإنما طبيعة بعض الإعلاميين أو النجوم ممن يتعاملون بدونية ويشعرون بضآلتهم، ويسيئون لأنفسهم أو يخوضون معارك ضد رموز ويهيلون التراب على نماذج وحالات، مع الأخذ فى الاعتبار أن الاحترام يجب أن يكون هو أساس التعامل بين الأشقاء، وعدم تحويل الاختلافات فى الآراء إلى صدامات بين الشعوب، أو صناعة فتن غير مطلوبة، والدونية هنا يمكن أن تكون لدى بعض من اعتادوا انتقاد كل شىء، بينما يصمتون أو يدافعون عن باطل، ولا نتهم أحدا هنا أو هناك، ولا يفترض أن تنتشر اتهامات أو تلقيح كلام ليس من صالح العلاقات الشعبية، وحتى لو كانت هناك تصرفات صغيرة، لا يفترض ونحن الأكبر ولدينا كل هذا التراث والقوة الناعمة أن نخاف أو نهتز، وطالما نعترف ونرى أننا كبار علينا أن نتعامل من هذه الزوايا وليس باهتزاز أو شوفينية وتعالٍ.

مقال أكرم القصاص