سارة درويش

لا تحرم أبناءك من الفشل!

الأحد، 21 ديسمبر 2025 06:15 م


بعد برهة من التفكير في سؤال المحاور حول أهم انطباع يعتقد أن أبناءه يحملونه عنه، أجاب النجم الشهير: "أني لا أسمح بالفشل. لازم يكونوا أنجح حاجة (...) الشيء اللي ممكن يخليني أقول دا لا ابني ولا أعرفه هو إنك تكون فاشل". شعرت بالأسى وقفزت إلى ذهني صورة عجلة الهامستر، وهو يحكي باعتزاز عن الجهد المستمر الذي يبذله الأبناء ليتجنبوا شبح الفشل ويثبتوا تفوقهم في الرياضة و الدراسة وكل شيء.

أتفهم دوافعه كأب يرى أن هذا أفضل تحفيز لأبنائه ليكونوا الأنجح والأكثر تفوقًا في الدراسة، ثم الأكثر تفانيًا في العمل وربما الأنجح في أصغر سن ممكنة، والأكثر ثراءً والمرتبط بشريك الحياة الأكثر جاذبية ونجاحًا وثراءً بدوره، ولكن هل هذا هو الأفضل فعلاً؟

كفتاة من مواليد الثمانينيات، تربت في أسرة مصرية تعتز جدًا بأهمية التعليم والنجاح في الدراسة، عرفت هذا النوع من التحفيز. لم يقل لي أبي إنه لا يسمح بالفشل ولا يقبل به ولكنني بحس غريزي أدركت ذلك فأصبح الشبح الذي أرتعد منه وأبذل كل ما في وسعي لأتجنبه. حتى أنني في لحظة ما، حين شعرت أنني مهددة بالفشل، أسقط في يدي ولم أعرف كيف يمكن أن أواصل الحياة وأنا أحمل هذه الوصمة؟

الفكرة تبدو إيجابية ومثالية، تمامًا مثل تلك العبارة في فيلم "البحث عن نيمو" حين أخبر الأب السمكة "دوري" بأنه وعد ابنه بأن "مافيش حاجة هتحصله" فردت دوري بأن الوعد غريب لأنه "ماينفعش مافيش حاجه هتحصل له. ماينفعش تمنع عنه كل حاجه تحصل له. تبقى عيشه ممله أوي".

لم يتمكن الأب في الفيلم من حماية ابنه من التعرض لأي مخاطر، مثلما يحدث في الحياة تمامًا، وشعر أنه في ورطة! شعر أنه أخفق في دوره كأب؛ رغم أن التفاني في حماية الابن طيلة الوقت من المخاطر ليس هو دوره كأب، وإنما إعداد ذلك الابن للتصرف بشكل سليم مع المخاطر وكيفية مواجهتها هو الأجدى والأوقع والأفضل للابن على المدى القصير والطويل.

ينطبق الأمر نفسه على الفشل الذي تربت أجيال عدة على الخوف منه، وتفنن الآباء والأمهات في إرهاب الأبناء منه وضرورة تجنبه بأي ثمن. حتى لو كان الثمن أن يتواطئوا معهم في جريمة الغش تجنبًا للفشل في الامتحانات! ولكنهم أغفلوا تمامًا أهمية تربيتهم على كيفية مواجهة الفشل، على تقبله كمرحلة ضرورية في الحياة، والتعلم منه والنهوض مرة أخرى. أغفلوا أهمية أن يعرف الأبناء أن حبهم لهم غير مرهون بنجاح، وأنهم سيكونون دائمًا معهم، حتى حين يخفقون، أو خاصة حين يخفقون! يأخذون بأيديهم كما فعلوا وهم يخطون على الأرض للمرة الأولى، ويشجعونهم على استكشاف الحياة وخوض التجارب. 

أعرف جيدًا، للأسف، المسار الذي تؤدي له فكرة "لو فشلت انت لا ابني ولا أعرفك"، أعرف جيدًا معنى القبول المرهون بالنجاح، بالتالي الشعور بانعدام القيمة إن لم ألبي التوقعات المنشودة مني. أعلم جيدًا معنى الشعور بعبء أن أكون "نمبر وان" في فصلي، في عائلتي، في عملي، في مجالي المهني، وحتى في هوايتي. يمتد العبء إلى العلاقات، الرغبة المستمرة في إرضاء المحيطين بي، في أن ألبي كافة توقعاتهم مني، حتى لو كانت غير منطقية، حتى لو استنزفتني، حتى لو لم أكن أرغب من الأساس فيها. فخ السعي إلى الكمال، القبول المرهون بالنجاح، والقيمة المرتبطة بما أنجزه لا بما أن عليه فعلاً.

هذه الفكرة التي أكلتني لسنوات، زرعت في قلبي القلق المستمر. أحرقت كل طاقتي في اللهاث خلف نجاحات وأهداف ربما لم تكن تعنيني فعلاً. وحتى حين طلبت المساعدة، واستوقفني أحدهم يطلب مني أن أهدأ، وأخبرني أنني جيدة بما يكفي. لم يمكنني الاقتناع بسهولة. لا يزال ذلك الهاجس يخزني، يفسد علي الكثير من لحظات الرضا بما أنجزت، ويحاصرني أحيانًا كحفرة من الجحيم تسأل هل من مزيد؟




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة