عاد اسم تشيرنوبل ليتصدر واجهة القلق الدولي مجددًا، بعد تأكيدات رسمية وتقارير فنية تشير إلى تضرر درع الحماية الخاص بالمفاعل الرابع، في الموقع الذي شهد أسوأ كارثة نووية في التاريخ عام 1986، ورغم مرور قرابة أربعة عقود على الانفجار الكارثي، فإن خطر تشيرنوبل لم يُدفن بالكامل، بل ظل كامناً تحت طبقات من الخرسانة والفولاذ، ينتظر أي خلل أو إهمال ليعيد فتح جرح نووي لم يندمل بعد.
القوس الآمن الجديد
الدرع الواقي، المعروف باسم القوس الآمن الجديد، صُمم ليكون حاجزًا طويل الأمد يعزل بقايا الوقود النووي المنصهر والمواد المشعة داخل المفاعل المدمر، ويحمي أوروبا والعالم من أي تسرب إشعاعي محتمل. إلا أن الأضرار التي لحقت به مؤخرًا، سواء نتيجة عوامل زمنية أو ظروف استثنائية، أعادت المخاوف من فقدانه قدرته الكاملة على أداء دوره الحاسم.
إجراءات مؤقتة لاحتواء الخطر
السلطات الأوكرانية، بالتنسيق مع خبراء دوليين ووكالات متخصصة في السلامة النووية، سارعت إلى تنفيذ حزمة من الإجراءات المؤقتة والطارئة، شملت تدعيمات محدودة للبنية الهيكلية، ومراقبة دقيقة على مدار الساعة لمستويات الإشعاع داخل الموقع وحوله، كما جرى تعزيز أنظمة الإنذار والقياس تحسبًا لأي تغير مفاجئ قد يشير إلى تسرب أو خلل إضافي.
لكن هذه الخطوات، بحسب تقارير فنية، لا ترقى إلى حل جذري للمشكلة، بل تُصنّف كإجراءات إسعافية هدفها الأساسي “شراء الوقت” ومنع تفاقم الوضع إلى مرحلة يصعب التحكم فيها. ويؤكد الخبراء أن استمرار الاعتماد على الحلول المؤقتة يحمل في طياته مخاطر تراكمية قد تظهر آثارها على المدى المتوسط أو البعيد.
إصلاح مؤجل.. وأسباب معقدة
العمل الشامل لإصلاح الدرع الواقي أو استبدال أجزائه المتضررة لا يزال مؤجلًا، لأسباب متعددة، في مقدمتها التعقيد الهندسي غير المسبوق للموقع، إذ يتطلب أي تدخل مباشر التعامل مع مستويات عالية من التلوث الإشعاعي، ما يستوجب تقنيات متقدمة وروبوتات متخصصة وفرقًا مدربة تدريبًا فائقًا.
إلى جانب ذلك، يشكل التمويل تحديًا رئيسيًا، حيث تُقدّر تكلفة أي مشروع إصلاح جذري بمئات الملايين من الدولارات، في وقت تواجه فيه أوكرانيا ضغوطًا اقتصادية هائلة. كما أن استمرار الحرب يضيف بعدًا أمنيًا خطيرًا، يجعل تنفيذ مشاريع كبرى داخل منشأة نووية حساسة مغامرة محفوفة بالمخاطر.
طمأنة رسمية.. وتحذير مبطن
رغم خطورة المعطيات، تؤكد الهيئات الدولية المعنية، وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن مستويات الإشعاع لم تسجل حتى الآن أي ارتفاع مقلق، ولا توجد مؤشرات على تسرب إشعاعي يهدد السكان المحليين أو الدول المجاورة، إلا أن هذه الطمأنة يرافقها تحذير واضح: الخطر ما زال كامنًا، وليس غائبًا.
فالتاريخ النووي لتشيرنوبل يثبت أن الإهمال أو التأجيل قد يحول مشكلة تحت السيطرة إلى كارثة واسعة النطاق. ويحذر خبراء من أن استمرار سباق الوقت بلا حلول جذرية قد يحول الموقع إلى قنبلة نووية صامتة، لا تنفجر بضجيج، لكنها قد تطلق إشعاعات بطيئة التأثير، قادرة على إحداث أضرار صحية وبيئية عابرة للحدود.
قلق أوروبي ودولي متصاعد
القلق لا يقتصر على أوكرانيا وحدها، بل يمتد إلى أوروبا والعالم، حيث يُنظر إلى تشيرنوبل باعتباره اختبارًا دائمًا لمدى التزام المجتمع الدولي بأمن المنشآت النووية. فالكارثة المحتملة، إن وقعت، لن تعترف بالحدود السياسية، وقد تعيد إلى الأذهان أسوأ سيناريوهات التلوث الإشعاعي في القرن الحادي والعشرين.
وبين إجراءات مؤقتة، وإصلاحات مؤجلة، وتحذيرات متزايدة، يبقى السؤال معلقًا: هل سيتحرك العالم سريعًا لإغلاق ملف تشيرنوبل نهائيًا، أم أن شبح الكارثة سيظل يحوم، منتظرًا لحظة الانفجار الصامت؟