فى الثالث والعشرين من ديسمبر عام 1948، وبإحدى قرى كفر الشيخ قدم محمد صابر عرب إلى الدنيا، وبين قيم وأصول وأخلاق الريف الأصيلة نشأ وترعرع، وازداد ارتباطا بالقيم المصرية عندما تلقى تعليمه فى الازهر رغبة من الاسرة فى أن يكون عالما أزهريا مستنيرا يدرك الفهم الحقيقى للدين ودوره فى حياة الانسان، وكجيل نشأ بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 نال من مشاربها ما نال أقرانه والاجيال اللاحقة لهم، فتجسدت فى وجدانه أحلام وآمال العرب فى تلك الفترة وصار جزء من تكوينه ما حققته مصر من إنجازات وما أصابها من انكسارات.
كانت الثقافة المصرية فى تلك الفترة فى أوج قوتها؛ فارتاد المسرح والسينما وقرأ لكبار الكتاب والمفكرين والتقى بهم كثيرا، وازدادت معرفته أكثر بمصر وهويتها ودورها، عندما التحق بقسم التاريخ والحضارة بجامعة الازهر ولم يكن فى تلك الجامعة طالبا منكبا على كتبه فقط؛ بل استمر فى ثقل ثقافته ومارس النشاط الطلابى المتنوع وكان عضوا فاعلا فى مجلس اتحاد طلاب الجمهورية بوصفه رئيس اتحاد طلاب جامعة الازهر وشارك وهو طالب فى مشروعات الخدمة العامة فى العديد من قرى مصر فكان شاهدا على أحلام وطموحات شرائح عديدة من أبناء المجتمع المصري، كما شارك وهو طالب أيضا فى معسكرات خارج مصر.
كانت شخصيته تنضج سريعا وتتفاعل داخله كل القيم التى تربى عليها وتعلمها واكتسبها فى سنواته التى كانت تتوالى وتمر بين عينيه، خاصة بعد أن تم تعيينه معيدا فى قسم التاريخ والحضارة، وتتلمذ على يد كبار الأساتذة وشيوخ المؤرخين أمثال الأستاذ الدكتور عبد العزيز الشناوى والأستاذ الدكتور محمود صالح منسي، ويكفى بضغطة زر على مواقع المعلومات الدولية ليعرف من يريد من هما، تشبع صابر عرب بحب مصر ووطنه العربى الكبير لذا تناولت رسالته لدرجة الماجستير الحركة الوطنية المصرية ورسالته للدكتوراة عن حادث 4 فبراير 1942 الذى كان حادثا مفصليا فى تاريخ مصر.
نبوغ صابر عرب المبكر جعله فى سنوات عمله الأولى واحدا من المؤسسين لجامعة السلطان قابوس كأول جامعة فى سلطنة عمان حيث شارك فى وضع المناهج واختيار أعضاء التدريس فى تخصص التاريخ بتلك الجامعة وكجزء من شخصية صابر عرب المتفردة لم يكن مثل كثيرين فى الانكباب على التدريس فقط؛ بل توثقت روابطه بالمجتمع العمانى وازدادت معرفته به وكان شاهدا على حركة التحديث والنهضة التى قام بها السلطان قابوس التى توطدت صلته به واستمرت علاقته بعمان قائمة حتى انتقاله إلى جوار ربه؛ فكان عضو مجلس أمناء جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، ومن عمان امتد تأثير صابر عرب إلى الامارات والسعودية والعالم العربى من محيطه إلى خليجه والذى لم ينقطع طوال حياته وإن شاء الله لن ينقطع بعد وفاته.
وعندما استقر به المقام فى قاهرة المعز كان عضوا نشطا فى الجمعيات والمؤسسات العلمية والأدبية مثل الجمعية المصرية للدراسات التاريخية واتحاد المؤرخين العرب والمجمع العلمى والمجلس الأعلى للثقافة وكل ما له صلة بالفكر والتنوير وإذكاء العقل والقلب، وقدم للأمة عشرات المؤلفات التى تنوعت مشاربها ولم يكن لها هدف سوى تنوير العقول وحمايتها من ضلال الجهل وتأخر الفكر، فنال التكريم تلو التكريم من الجزائر والشارقة ومصر التى منحته أسمى جوائزها العلمية ومثلها فعلت العديد من الدول الأخرى التى يضيق المقام عن ذكرها.
كان دوره فى قضايا الوطن فى الملمات واضحا وناصعا فانتقل بدار الوثائق القومية ثم الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق والهيئة العامة للكتاب إلى مجال أرحب ومازالت بصماته واضحة على التطوير الذى لحق بتلك المؤسسات عندما تولى أمرها منذ عام 1999 وحتى عام 2011 وسرعان ما انتقل إلى قيادة وزارة الثقافة أكثر من مرة ما بين عامى 2012 – 2014 وهى مرحلة فارقة فى عمر الوطن أولا ثم فى عمر الثقافة والهوية المصرية، والأرشيف المكتوب والمسموع والمرئي، يحفظ له ما قدمه لثقافة الأمة المصرية، من جهد ومثابرة وثبات، أمام عوادى هدامة لكى تبقى كما هى متفردة وغنية وحية وعصية على أن تزال ليحل محلها تطرف وإقصاء.
هذه عناوين رئيسة فى مسيرة الأستاذ الدكتور المفكر الملهم محمد صابر عرب وتحت كل كلمة حكاية كبيرة تستحق أن تروى فى مجلدات كى تقدم للأجيال، رحمه الله وجزاه عما قدم خير الجزاء.