ما إن كاد تريند والدة الإعلامية المقتولة يختفى، حتى أعاده بعض الزملاء فى مواقع وقنوات، وليس فقط فى مواقع التواصل، وهو تأكيد لما ذهبنا إليه من أن صفحات التريندات المفرقعة، غالبا ما تكون بإدارة زملاء من الباطن، أو تتداخل معها القنوات والمواقع بحثا عن مشاهدات وقراءات، لدرجة أن الحائط الفاصل بين «السوشيال ميديا» وبعض القنوات والمواقع، يسقط مثلما يتلاشى الحائط الرابع فى المسرح، لنجد أنفسنا أمام مسرح عبث، لا علاقة له بالواقع، بل له علاقة بالمهاويس من كل اتجاه.
فقد فرض تريند الرجل كبير السن فى المترو وهو يعنف فتاة لأنها تضع ساقا فوق أخرى، فى المترو، والفتاة بعيدة عن الرجل، لكن يبدو أنه هو أيضا كان مهموما بأن يظهر فى أى موقف، وتطاول بعنف عليها، فصورته وردت عليه بأنه ليس له الحق، وهو أمر طبيعى، ومن يركبون المترو يعرفون أن هناك قضايا أهم من هذا الرجل، منها أن كراسى المعاقين وكبار السن يشغلها مراهقون وشباب ولا يوجد من يقول لهم أن يتركوا الكراسى لمن هم أحق بها، لكن الرجل لا يمثل كثيرين من الكبار، ركاب المترو، ولا أغلبية فى الصعيد وبحرى، لكن طبعا الرجل ظهر فى فيديوهات من زواحف السوشيال ميديا، وتسرب بالتالى للمواقع والصفحات ليتحول إلى تريند.
انقسم البعض من العمقاء وحولوها إلى تعنت وانحياز ذكورى، والبعض حاول تبرير تصرف الرجل بكبر السن للفتاة التى لم تخطئ، بينما ظهر الرجل ليضاعف السخط على آرائه وتطاوله على بنات بحرى وانحيازه لبنات الصعيد، فى كشف واضح عن عدم إدراكه لما يجرى فى الدنيا، ولا من حوله، لكن طبعا ظهر ابن الرجل ليهدد ويطالب باعتذار، وظهر محامون يحرضون كل طرف على مقاضاة الطرف الآخر، فى حالة تتكرر يحاول بعض المحامون أو أصحاب الصفحات تسخين الحال بحثا عن مشاهدات أو شهرة.
وبموازاة هذه المساخر، ظهر تريند حماة عروس المنوفية القتيلة، التى ماتت من الضرب والركل وتحطمت عظامها، واتهم زوجها بقتلها عمدا، أم المتهم ظهرت لتبرر القتل، وتظهر مجتمعا من القتلة والمرضى، واللافت أنها تكرر الحديث هى وكل الأهالى رغبة فى الظهور، تطبيقا للمثل «جنازة ويشبعوا فيها لايك»، ولم تختف الإعلامية القتيلة بفضل بعض الزملاء فى قنوات ومواقع «بير السلم» ممن يفرضون على الواقع ظواهر لا يمكن أن تستهلك أكثر من ساعات، فتبقى لأيام حتى تظهر مسخرة أخرى.
طبعا هذا لا يمنع من استمرار زواحف نسب المشاهدة، فى استنطاق «الكاركتر» ليهاجم الأفلام والقبلات فى السينما، ويلقى باتهامات أخلاقية على الكل، بينما يزعم أنه حامى الأخلاق، وهو لا يكف عن إهانة الأخلاق والمبادئ، بما يطلقه من فمه، ومثله هذا «القرداتى» الذى اعتاد قلب الحقائق، والتطاول على الكبار، نجوما وفنانين، ولا يختلف عن الكاركتر كثيرا، فهما من زواحف الميديا.
ونبقى فى نفس البركة أو المستنقع، حيث أصبح كل الزواحف يجيدون صناعة التريند فى الشاشة، احضر قردا، وضعه أمامه كاميرا، واطرح عليه أسئلة تافهة، سيطلق شتائم أو كلاما جاهلا أو يتهم أو يثرثر ويهاجم نجما أو يدافع عن تفاهة، ولا يختلف هؤلاء كثيرا عن فتيات وسيدات «تيك توك».
لتتواصل تريندات «الهبل على الشيطنة» والقرداتى مع الكاركتر ، وهى أمور غالبا ليست فقط من صنع «السوشيال ميديا» ولكن من صنع قنوات وإعلاميين ونقاد يدافعون عن الهراء، ويطاردون الرأى والاختلاف.

مقال أكرم القصاص