تظن كثير من الأمهات أن انتهاء الولادة يعني نهاية المتابعة الطبية، لكن الحقيقة أن هذه المرحلة تمثل بداية رحلة جديدة من الرعاية لا تقل أهمية عن فترة الحمل نفسها. فالأيام والأسابيع التي تلي الولادة تحمل تغيرات جسدية ونفسية معقدة تحتاج إلى مراقبة دقيقة، حتى تتعافى الأم بسلام وتستعيد قوتها تدريجيًا.
وفقًا لتقرير نشره موقع Brown Health، تُعد زيارة ما بعد الولادة خطوة أساسية في الرعاية الصحية للأم، ويُوصى بأن تتم خلال أربعة إلى ستة أسابيع بعد الولادة، إلا أن بعض الحالات تستدعي مراجعة الطبيب في وقت أقرب. وتشمل هذه الحالات الولادة القيصرية أو التمزقات الكبيرة أو وجود مضاعفات مثل ارتفاع ضغط الدم، أو أي علامات تشير إلى اضطراب المزاج بعد الولادة.
أهمية فحص ما بعد الولادة
الهدف من الزيارة لا يقتصر على التئام الجرح أو فحص الرحم فقط، بل يمتد ليشمل تقييم الصحة النفسية والعاطفية للأم. في هذه الزيارة، يناقش الطبيب مع المريضة مستوى النزيف، وتقدم التئام الأنسجة، ومدى انتظام النوم، وحالتها المزاجية، بالإضافة إلى مناقشة الرضاعة الطبيعية وخطط تنظيم الحمل المستقبلية.
كما تُراجع خلالها أي أعراض غير معتادة، مثل الصداع المستمر، أو الألم الشديد، أو الإفرازات غير الطبيعية، مما يساعد على الكشف المبكر عن المضاعفات المحتملة.
مؤشرات تستدعي استشارة الطبيب فورًا
من الطبيعي أن يستمر نزول الدم بعد الولادة لعدة أسابيع، وهو ما يُعرف بالنفاس، لكن هناك علامات يجب ألا تُهمل:
زيادة مفاجئة في كمية النزيف بعد أن كانت مستقرة.
وجود جلطات دموية كبيرة أو نزيف يستمر بغزارة لأكثر من ساعتين.
الشعور بالدوار أو خفقان القلب أو الضعف العام.
هذه الأعراض قد تكون دلالة على نزيف ما بعد الولادة، وهي حالة طارئة تحتاج إلى تقييم فوري.
أيضًا، إذا ارتفعت درجة الحرارة عن 38 مئوية أو ظهرت إفرازات ذات رائحة كريهة، فقد يكون هناك التهاب في الرحم أو الجرح. كما أن الألم في الساق أو الصدر، أو صعوبة التنفس، أو الصداع الشديد المصحوب بتشوش في الرؤية، كلها مؤشرات خطيرة يجب عرضها فورًا على الطبيب.
الصحة النفسية بعد الولادة
تمر الأم في الأسابيع الأولى بحالة من التقلبات المزاجية المعروفة باسم “كآبة ما بعد الولادة”، والتي تختفي عادة في غضون أسبوعين. لكن إن استمر الشعور بالحزن أو القلق أو فقدان الاهتمام بالحياة اليومية، فقد يشير ذلك إلى اكتئاب ما بعد الولادة، وهو اضطراب شائع وقابل للعلاج.
التحدث مع الطبيب في هذه المرحلة أمر ضروري، لأن التدخل المبكر يقي من تفاقم الأعراض ويحافظ على العلاقة العاطفية بين الأم وطفلها.
متى يُعتبر الوضع غير طبيعي؟
يجب على الأم طلب المساعدة الطبية إذا لاحظت:
ألمًا شديدًا في البطن أو منطقة الجرح.
تورمًا أو احمرارًا في الثدي مع ألم وحمى (قد يكون التهابًا في الغدد اللبنية).
صعوبة في التبول أو الإخراج، أو فقدان السيطرة عليهما بعد ستة أسابيع من الولادة.
استمرار الصداع أو القيء أو اضطراب الرؤية.
كل عرض من هذه الأعراض يحمل دلالة مختلفة، لكن القاعدة الذهبية هي: لا تنتظري أن يزول الألم من تلقاء نفسه.
الرعاية الذاتية في المنزل
رعاية الأم بعد الولادة لا تعني فقط مراجعة الطبيب، بل تبدأ من داخل المنزل.
ينصح الأطباء بالراحة قدر المستطاع، وتناول أطعمة غنية بالبروتينات والحديد لتعويض ما فُقد أثناء الولادة، إلى جانب شرب كميات كافية من الماء للحفاظ على توازن السوائل.
كما يُستحسن ممارسة المشي الخفيف أو التمارين البسيطة بعد استشارة الطبيب لتحفيز الدورة الدموية وتقليل التورم.
ولا تقل الصحة النفسية أهمية عن الجسدية؛ فطلب المساعدة من الأسرة أو الأصدقاء ليس ضعفًا، بل خطوة ذكية لدعم التعافي. كذلك يمكن التواصل مع مجموعات دعم الأمهات الجدد أو المتخصصين في الصحة العقلية عند الشعور بالإرهاق أو الوحدة.فالمتابعة ما بعد الولادة جزء أساسي من حماية صحة الأم على المدى الطويل. فالطبيب لا يطمئن فقط على سلامة الجسم، بل يضمن أيضًا أن الأم قادرة على التكيف مع التحولات الهرمونية والنفسية التي ترافق هذه المرحلة.