فيسبوك
واتساب
نرشح لك في نهاية الأسبوع كتاب "العاقل.. تاريخ مختصر للجنس البشري"، للمؤرخ يوفال نوح هراري، وهو عمل يقدم تاريخ الإنسان بوصفه حكاية أفكار كبرى، كيف تشكل وعينا الجمعي، وكيف صارت الأساطير، لا السيوف وحدها، قوة تحرك الإمبراطوريات والأسواق، ولماذا تبدو لحظات التقدم أكثر تعقيدًا مما نتصور.
يبدأ الكتاب من سؤال: كيف أصبح "الإنسان العاقل" الكائن المهيمن على الكوكب؟ لكنه لا يكتفي بسرد خط زمني تقليدي، بل يضع أمام القارئ ثلاثة منعطفات كبرى تعاد بها كتابة التاريخ من زاوية مختلفة: الثورة المعرفية (حين قفز الخيال واللغة والسرد المشترك)، ثم الثورة الزراعية (التي تبدو في الرواية الشائعة إنجازًا، بينما يضعها الكتاب تحت مجهرٍ نقدي بوصفها صفقة معقدة)، ثم الثورة العلمية التي أعادت تعريف المعرفة والسلطة والثروة، هذه الطريقة تجعل القارئ يرى التاريخ كمختبرٍ للأفكار، لا كرف للأسماء والتواريخ فقط.
غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
ما الذي يجعل "العاقل" كتابًا يغيّر نظرتك للتاريخ؟ لأن هراري يراهن على فكرة مركزية هي أن البشر لم ينتصروا فقط لأنهم أقوى جسديًا، بل لأنهم أتقنوا بناء "واقعٍ متخيل" يتشاركه الملايين، من الدين إلى الدولة إلى المال إلى الشركات، وبهذا الواقع المتخيل صار التعاون واسع النطاق ممكنًا، فجأة، لا يعود التاريخ مجرد حروب ومعارك، بل يصبح أيضًا تاريخ القصص التي صدقناها معًا، وكيف صنعت هذه القصص مؤسسات تحكم حياتنا حتى اليوم.
ومن نقاط قوة الكتاب أنه يربط المسار الإنساني من العصر الحجري وصولًا إلى زمن التكنولوجيا المعاصرة، أي أنه لا يترك الماضي في المتحف، بل يضعه في قلب أسئلتنا اليومية: لماذا نعمل بهذه الطريقة؟ لماذا نثق في ورقة نقدية أو رقم على شاشة؟ وكيف انتقل الإنسان من جماعات صغيرة إلى عالم شديد الترابط؟ هذا الامتداد الزمني الواسع، من بدايات الإنسان حتى ما يشبه "عصر وادي السيليكون" هو أحد أسباب جاذبية الكتاب لقراء غير متخصصين، لأنه يمنحهم صورة كلية نادرًا ما تمنحها الكتب المدرسية أو الحكايات التاريخية الجزئية.
وللقراء الذين يخشون "كتب التاريخ الثقيلة: "العاقل" لا يُقرأ كمرجع أكاديمي جاف، بل كخط سردي متصل، يمكن تقسيمه بسهولة.
ورغم أن الكتاب ترجم وتداول عربيًا على نطاق واسع، فإن الأهم ليس "ضجيج المبيعات" بقدر ما هو أثره القرائي: أنه يفتح بابًا لنقاش جديد حول التاريخ بوصفه علمًا إنسانيًا مركّبًا، يجاور فيه التطور والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس الجمعي، فإذا كنت تبحث عن كتاب يعيد تشغيل فضولك تجاه "لماذا حدث ما حدث؟" بدلًا من "متى حدث؟"، فهذا اختيار مناسب لعطلة نهاية الأسبوع.
