حين يبدأ الطفل بالعطس المتكرر وسيلان الأنف وصوت السعال الصغير الذي لا يتوقف، يظن الأهل غالبًا أنه مجرد "برد موسمي عابر"، لكن خلف تلك الأعراض البسيطة قد يكمن فيروس الأنف (Rhinovirus)، أحد أكثر أسباب التهابات الجهاز التنفسي شيوعًا بين الأطفال، والذي قد يبدو بسيطًا في بدايته لكنه يستحق قدرًا من الانتباه لما قد يسببه من مضاعفات لدى بعض الفئات.
وفقًا لتقرير نشره موقع مستشفى كونيتيكت للأطفال (Connecticut Children’s Hospital)، يُعد الفيروس الأنفي السبب الأول لنزلات البرد في مرحلة الطفولة، وهو فيروس معدٍ ينتقل بسرعة في الأماكن المغلقة مثل الحضانات والمدارس، ورغم أن أغلب الأطفال يتعافون خلال أسبوع تقريبًا، فإن العدوى قد تتطور في بعض الحالات إلى مشكلات تنفسية أعمق.
ما هو الفيروس الأنفي ولماذا يصيب الأطفال أكثر من غيرهم؟
ـ ينتمي الفيروس الأنفي إلى عائلة الفيروسات الغدية المسببة لنزلات البرد، وهو ينتشر بسهولة عبر رذاذ الأنف والفم عند العطس أو السعال، أو من خلال لمس الأسطح الملوثة ثم لمس الوجه.
ـ الأطفال هم الأكثر عرضة للإصابة لأن جهازهم المناعي لا يزال في طور النمو، كما أن عاداتهم اليومية — مثل مشاركة الألعاب أو لمس الوجه كثيرًا — تسهّل انتقال العدوى بسرعة.
ـ تزداد العدوى انتشارًا في فصلي الخريف والربيع عندما يقضي الأطفال وقتًا أطول في الأماكن المغلقة، ويقل تعرّضهم للهواء النقي وأشعة الشمس، مما يجعل الفيروس يجد بيئة مثالية للانتشار.
أعراض العدوى... متى تكون مقلقة؟
عادةً ما تبدأ الأعراض بعد يومين من التعرض للفيروس وتشمل:
ـ انسداد أو سيلان الأنف.
ـ عطس متكرر وسعال خفيف.
ـ التهاب في الحلق وصعوبة طفيفة في البلع.
ـ صداع بسيط وإرهاق عام.
ـ ارتفاع طفيف في درجة الحرارة في بعض الحالات.
ورغم أن أغلب هذه الأعراض تزول خلال أسبوع، إلا أن استمرارها أو تطورها قد يشير إلى مضاعفات مثل التهاب الأذن الوسطى أو الجيوب الأنفية، خاصة عند الأطفال الذين يعانون من الحساسية أو ضعف المناعة.
كيف يمكن التعامل مع الفيروس في المنزل؟
لا يوجد علاج مباشر للفيروس الأنفي، لأنه ينتمي إلى فئة العدوى الفيروسية التي لا تستجيب للمضادات الحيوية. لكن الرعاية المنزلية الصحيحة تسرّع التعافي وتقلل المضاعفات:
ـ الراحة الكاملة: يمنح النوم الجيد الجهاز المناعي فرصة لمحاربة الفيروس بفعالية.
ـ السوائل الدافئة: الإكثار من الماء والشوربة والعصائر الطبيعية يساعد على ترطيب الجسم وتخفيف احتقان الأنف.
ـ الترطيب الهوائي: استخدام جهاز ترطيب في غرفة الطفل يخفف جفاف الحلق والأنف.
ـ العسل الطبيعي: للأطفال فوق السنة، يمكن أن يساعد في تهدئة السعال.
ـ خافض الحرارة: يُستخدم الباراسيتامول عند وجود حمى خفيفة، بعد استشارة الطبيب.
يُنصح بتجنب الأدوية المركبة أو مزيلات الاحتقان دون وصفة طبية، لأنها قد تسبب آثارًا جانبية لدى الأطفال الصغار.
متى يحتاج الطفل إلى زيارة الطبيب؟
رغم أن معظم الحالات تكون خفيفة، إلا أن هناك علامات تستدعي تقييمًا طبيًا عاجلًا، منها:
ـ استمرار الحمى لأكثر من 48 ساعة.
ـ صعوبة في التنفس أو صفير في الصدر.
ـ ألم في الأذن أو بكاء متواصل لدى الرضع.
ـ خمول واضح أو رفض الطعام والشراب.
ـ جفاف الفم وقلة عدد الحفاضات المبللة.
وفي حالات نادرة، قد يمتد تأثير الفيروس إلى الجهاز التنفسي السفلي مسبّبًا التهابًا رئويًا أو تهيّجًا في الشعب الهوائية، خاصة عند الأطفال المصابين بالربو أو الأمراض المزمنة.
الوقاية... مفتاح الحماية في المدارس والمنازل
الوقاية من الفيروس الأنفي تعتمد على عادات بسيطة لكنها فعالة:
ـ غسل اليدين بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
ـ تعليم الأطفال تغطية الفم والأنف بالمرفق عند العطس أو السعال.
ـ تنظيف الألعاب والأسطح التي تُلمس كثيرًا بشكل منتظم.
ـ إبقاء الطفل في المنزل أثناء فترة العدوى حتى لا ينقل الفيروس لزملائه.
ـ تهوية الغرف يوميًا لتجديد الهواء والتقليل من تركّز الفيروسات في البيئة المغلقة.
رغم شيوع العدوى وسرعة انتشارها، يبقى الفيروس الأنفي لدى معظم الأطفال حالة محدودة المدى. لكن التعامل معه بوعي، ومراقبة الأعراض بدقة، يساعد على تفادي المضاعفات ويحافظ على صحة الجهاز التنفسي في مرحلة النمو.