السياسة فى أبسط تعريفاتها، هى فن إدارة الجموع، أو حكم جمهور متسع ومتنوع، وقد تناولنا - خلال الأسابيع الماضية - أهمية أن تكون لدى من يتصدون للعمل العام والسياسى القدرة على فهم ومعرفة المجتمع، ولا يمكن حكم أو إدارة جمهور لا يعرفه هؤلاء الذين يتصدون للعمل العام، كما لا يمكن ترك الفراغ فى المجتمع ليكون قابلا للملء من قبل أى تيارات أو جماعات لديها أهداف ليست لصالح الداخل، بل ربما تنفيذا لأفكار أو منظمات أخرى، وليست تجارب الدول والمجتمعات من حولنا ببعيد، كما أن تجربة مصر نفسها كانت مثالا لهذا الفراغ الذى بدا قابلا للملء من أى تيار، لولا انتباه ووعى المصريين.
ونكرر أننا - خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية - كانت هناك ضرورات تشير إلى مرحل استثنائية وتحديات من إرهاب لبناء الاستقرار وحروب وتحديات، منحت التحركات شكلا ومضمونا استثنائيا، لكن- وبعد أن تخطينا هذه المرحلة - لا يفترض ترك الفراغات أو الاستمرار فى أوضاع استثنائية، أو ترك الأمور بلا محاسبة أو مساءلة، بل الأوفق أن تكون هناك حياة سياسية طبيعية، تقوم على التنافس وتكافؤ الفرص، وليس بناء على الاختيارات المباشرة، لكن يبدو أن بعض من تولوا مواق،ع أو تم وضعهم فى مواقع التشريع أو المجالس، ظنوا أن الأمر سيكون بالطريقة ذاتها، لكن تكشّفت خطورة هذه الخطوات فى بداية المرحلة الأولى من الانتخابات، والتى شهدت خروقات وتلاعبات وترتيبات خلت من أى نوع من الفهم أو الحصافة، أو معرفة المجتمع الذى يريد هؤلاء أن يمثلوه.
ومن هنا جاء تدخل الرئيس، وإجراءات الهيئة الوطنية للانتخابات، ومن بعدها «الإدارية العليا» بإبطال دوائر، وتغيرت النتائج حتى الآن، ولا تزال الإعادة فى بعض هذه الدوائر أو فى المرحلة الثانية حاليا والتى تشير إلى تغيرات وتحولات فى شكل ومضمون اللعبة، حيث خسر من اعتاد أو تصور الفوز بالقصور الذاتى، وفاز من لم يكن متوقعا له الفوز فى حال استمرار الوضع الاستثنائى، تغيرت النتائج بشكل كبير، لكن لا تزال هناك ضرورة لإعادة النظر فى النظام الانتخابى وتقسيم الدوائر، بشكل يجعلها أكثر ملاءمة للواقع الاجتماعى والاقتصادى، وأن تحاول الأحزاب التعرف على شعب يقدمون له أنفسهم كوكلاء أو ممثلين، وهم أبعد ما يكونوا عن الجمهور والشعب، وقد لفت الرئيس السيسى نظهر هؤلاء إلى هذه النقاط، سواء فى تأكيده على ضرورة تطبيق قواعد المنافسة، أو التأكيد على ضرورة إنهاء المحسوبية ومنح الأكفأ الفرصة ليتولى المكان، وقال لطلاب أكاديمية الشرطة «إننا نواجه تحديات كبيرة على كل المستويات، ولا بد من اختيار ممثلين فى البرلمان بدرجة عالية من الوعى»، قائلا: «فكروا 100 مرة قبل اختيار من يمثلكم فى البرلمان، وحول التوظيف أكد الرئيس على أهمية التعامل من خلال الكفاءة وليس القرب أو البعد، أو الولاء، والهدف اختيار الأصلح بالمؤهلات والقدرات والدراسة والمعرفة والثقافة ونعود إلى الحوار الوطنى وتوصياته فى ما يتعلق لمفوضية مكافحة التمييز، والتى من مهامها ضمان تكافؤ الفرص بين الشباب والمتقدمين للوظائف، باعتباره طريقا لوقف إحباط أو قنوط، يدفع الشباب للهجرة بما يشكل نزيف عقول، وشبابنا يتفوقون ويتميزون بالخارج والدول المتقدمة مع تكافؤ الفرص، وهو ما يعيدنا إلى ضرورة اختيار الأصلح بين المرشحين، والمتقدمين للوظائف، وأن تكون المنافسة أصل الانتخابات أو التوظيف، أو حتى البيع والشراء بالشكل الذى يفرض قوانين حقيقية للعرض والطلب وليس انتقائية، يفترض أن يكون من يقدمون أنفسهم، أن يسعوا للتعرف على الشعب الذى يتحدثون باسمه، ولا يعرفون عنه شيئا، ولا يكلمونه إلا فى مواسم الانتخابات.
