في عالم اليوم الرقمي، أصبح كل لحظة سعيدة نعيشها قابلة للعرض على شاشات العالم، من منا لا يشارك صورة أو مقطع فيديو له أو لأسرته على وسائل التواصل الاجتماعي، ليحكي للآخرين قصة فرحه أو نجاحه أو لحظة استرخائه، لكن خلف هذه الصور والابتسامات، هناك عيون تترصد، وعقول تحسد، وقلوب قد تغلبها الغيرة.
الحسد لم يختفِ، بل وجد طريقه إلى العصر الرقمي، وتحوّل إلى ما يمكن تسميته بالحسد الإلكتروني.
الحسد الإلكتروني هو الوجه الحديث لشعور قديم، لكنه أكثر خفية وتأثيرًا، في الماضي، كانت العيون المحسودة محصورة في البيئة المحيطة، أما اليوم، فقد أصبح الزائر الخفي لكل حساب، والمراقب الصامت لكل قصة ومنشور.
البعض يرى في لحظة سعادتك فرصة ليقارن حياته بما يظنه أفضل، متجاهلين ربما صعوباتك وتحدياتك التي لم تنشرها، وهكذا يتحوّل ما كان مجرد مشاركة بسيطة إلى منبر للحسد الرقمي، دون أن يشعر المرء بذلك.
إن الحسد حق، وهو جزء من الطبيعة البشرية، لكن الحسد الإلكتروني يضيف طبقة جديدة من التعقيد، فهو يتغلغل في عالم يبدو بلا حدود، ويصعب معه حماية النفس أو العائلة من تأثيراته.
لحظة نشر صورة لعطلة ممتعة، أو نجاح مهني، أو فرحة عائلية، قد تكون كافية لإثارة عيون تحسدك في صمت، وربما يحاول البعض استهداف تلك اللحظات السعيدة بما يضر أو يثقل القلب.
لكن التعامل مع هذا الواقع يحتاج إلى حكمة وهدوء، وسائل التواصل الاجتماعي أداة، وطريقة استخدامنا لها تحدد تأثيرها علينا، لا تدعوا العيون الحاسدة توقفكم عن الاحتفال بلحظاتكم، ولا تدعوا مقارنة الآخرين تعكر صفو حياتكم.
انشروا ما يسعدكم، لكن بحذر ووعي، واعلموا أن ما يُعرض على الشاشات ليس كل الحقيقة، وأن كل حياة لها خباياها وتحدياتها.
الحسد الإلكتروني هو انعكاس لعالمنا الحديث، لعصر التكنولوجيا الذي لا يرحم، لكنه أيضًا تذكير بأن السعادة الحقيقية ليست في عدد الإعجابات أو التعليقات، بل في قدرة الإنسان على العيش بطمأنينة، ومعرفة أن لحظاته الخاصة لا يملك أحد السيطرة عليها سوى نفسه.