تشير تقارير إخبارية إلى أنه منذ الأيام الأولى للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أدركت موسكو أن السيطرة العسكرية لا تكتمل بالسيطرة على المدن وحدها، بل تمتد إلى الشرايين التي تُبقي الدولة حيّة.
معركة لوجستية بطابع استراتيجي
لم تعد السكك الحديدية في أوكرانيا مجرد وسيلة لنقل الركاب أو البضائع، بل باتت العمود الفقري للحركة العسكرية، تنقل الجنود والإمدادات إلى خطوط المواجهة، وتحافظ في الوقت ذاته على الحد الأدنى من الترابط بين المدن الكبرى، رغم تعرضها لآلاف الهجمات المتواصلة.
وتُظهر المعطيات أن شبكة السكك تعرضت لأكثر من 3700 هجوم منذ أغسطس الماضي، في مؤشر على انتقال الصراع إلى مستوى يستهدف البنية التحتية الحيوية بشكل مباشر ومنهجي.
استهداف متعمد لشريان الحرب
ويرى مسؤولون عسكريون أوكرانيون سابقون أن السكك الحديدية تمثل شريانًا لوجستيًا لا غنى عنه للقوات الأوكرانية، مؤكدين أن استهدافها يهدف إلى إضعاف القدرة الدفاعية للبلاد، وفي الوقت ذاته إلحاق أضرار واسعة بالحياة اليومية للمدنيين.
ويشير هؤلاء إلى أن الضربات الروسية لا تستهدف القطارات فحسب، بل تطال الجسور والمحطات والقضبان، في محاولة لتعطيل الشبكة بالكامل وإخراجها من الخدمة لأطول فترة ممكنة.
تصعيد متسارع بالأرقام
وتكشف التقارير أن الهجمات على شبكة السكك الحديدية تضاعفت ثلاث مرات منذ يوليو الماضي، مع تسجيل أكثر من 600 ضربة خلال الأشهر الستة الأخيرة فقط. ويعتقد مسؤولون في كييف أن هذه الحملة تهدف إلى تفكيك البنية التحتية للدولة وعزلها اقتصاديًا ولوجستيًا عن محيطها الداخلي والخارجي.
محطة لوزوفا.. صورة مصغرة للحرب
وتبرز محطة لوزوفا في مقاطعة خاركيف، شمال شرقي أوكرانيا، كنموذج صارخ لهذا الاستهداف. المحطة، التي تعود إلى الحقبة القيصرية وكانت عقدة مواصلات رئيسية في شرق البلاد، تعرضت مؤخرًا لدمار واسع بعد هجوم نفذته 15 طائرة مسيّرة انتحارية.
ورغم استئناف العمل في غضون يومين فقط، إلا أن القدرة التشغيلية للمحطة تراجعت بشكل حاد، حيث انخفض عدد القطارات من 32 قطارًا يوميًا قبل الغزو إلى 8 فقط حاليًا، نتيجة تدمير الجسور والبنى المحيطة.
ذاكرة دامية لا تُمحى
وتعيد هذه الهجمات إلى الأذهان وقائع دامية مبكرة في الحرب، أبرزها هجوم محطة كراماتورسك في أبريل 2022، الذي أسفر عن مقتل 63 مدنيًا أثناء محاولتهم الفرار، وسط اتهامات باستخدام ذخائر عنقودية.
قضبان تحت النار
وفي ظل هذا التصعيد، تبدو السكك الحديدية الأوكرانية وكأنها جبهة قتال غير مرئية، تُدار بعيدًا عن الكاميرات، لكنها لا تقل تأثيرًا عن خطوط النار التقليدية، في حرب تستهدف البنية قبل الجبهة، والاقتصاد قبل السياسة، والمجتمع قبل الدولة.