قبل أسابيع قليلة من عيد الميلاد، تبدو أوروبا وكأنها تستعد لسيناريو غير مسبوق، الزينة تملأ الشوارع، لكن خلف الأضواء تختبئ حالة من القلق المتصاعد. هذا العام، لا يتصدر الفرح مشهد الأعياد، بل تتزاحم المخاوف: مرض ينتشر بسرعة مخيفة، تكاليف معيشة تخنق الأسر، فوضى فى المطارات تعرقل السفر، وتهديدات أمنية تعيد إلى الأذهان ذكريات دامية.
عيد الميلاد، الذى طالما كان رمزًا للدفء والاستقرار، بات مهددًا بأن يتحول إلى موسم توتر جماعى يخيّم على القارة بأكملها.
إنفلونزا K: العاصفة الصحية التى تسبق الأعياد
فى صدارة هذه المخاوف، تقف سلالة K من إنفلونزا A، التى تنتشر فى أوروبا بوتيرة غير معتادة، قبل أسابيع من ذروة الشتاء. دول كبرى مثل إسبانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا تسجل أرقامًا مقلقة، وسط تحذيرات رسمية من موجة مبكرة قد تكون الأعنف منذ سنوات.
الخطورة لا تكمن فقط فى عدد الإصابات، بل فى سرعة الانتشار، خاصة بين الأطفال والشباب، ما يرفع معدلات دخول المستشفيات ويهدد بإنهاك الأنظمة الصحية فى توقيت حرج. ومع اقتراب عطلة عيد الميلاد، يخشى الأطباء من أن تتحول التجمعات العائلية والسفر المكثف إلى وقود إضافى لهذه الموجة.
عودة الكمامات.. شبح الجائحة يطل من جديد
مع تصاعد الإصابات، عاد الحديث عن الكمامات بقوة إلى النقاش العام. إسبانيا سبقت غيرها بفرضها داخل المستشفيات والمراكز الصحية، مع توصيات باستخدامها فى وسائل النقل والأماكن المزدحمة.
دول أوروبية أخرى تراقب الوضع عن كثب، وسط سيناريوهات قد تشمل إعادة فرض إجراءات وقائية جزئية. مجرد عودة هذا الجدل أعاد للأوروبيين ذكريات سنوات الجائحة، ورسّخ شعورًا بأن الأعياد هذا العام لن تكون طبيعية، وأن شبح القيود الصحية لا يزال حاضرًا.
مطارات مشلولة: السفر يتحول إلى كابوس
فى الوقت الذى يعتمد فيه ملايين الأوروبيين على السفر لقضاء الأعياد مع عائلاتهم، تشهد القارة فوضى غير مسبوقة فى المطارات، إضرابات واسعة فى إيطاليا، بريطانيا وإسبانيا تضرب قلب حركة الطيران، مسببة تأخيرات طويلة وإلغاء رحلات فى أكثر فترات العام ازدحامًا.
الموظفون اختاروا موسم الأعياد للضغط الأقصى من أجل تحسين الأجور وظروف العمل، بينما وجد المسافرون أنفسهم عالقين بين صالات الانتظار والطوابير، فى مشهد يعكس هشاشة منظومة النقل الأوروبية فى لحظة حرجة.
غلاء الأسعار يخنق طقوس الكريسماس
وإذا كان المرض والسفر يسرقان الطمأنينة، فإن الأسعار المرتفعة تسرق متعة الاحتفال، القهوة والكاكاو، رمزا الدفء الشتوى والكريسماس، سجلا قفزات تاريخية، جعلت طقوس الأعياد أكثر كلفة من أى وقت مضى.
فى العديد من الدول الأوروبية، بدأت الأسر تقلص إنفاقها على الحلويات والمشروبات الساخنة، بينما رفعت المقاهى والمتاجر الأسعار أو قلصت الكميات. التضخم لم يعد رقمًا فى تقارير اقتصادية، بل واقعًا يفرض نفسه حتى على أبسط لحظات الفرح.
أسواق عيد الميلاد تحت الحراسة
فوق كل ذلك، عاد القلق الأمنى ليخيم على أسواق عيد الميلاد، بعد إحباط مخططات إرهابية فى ألمانيا. الحادثة أعادت إلى الأذهان هجمات دامية سابقة، ودفعَت مدنًا إلى تشديد الإجراءات الأمنية أو حتى إلغاء فعاليات بسبب التكلفة المرتفعة للحماية.
الأسواق التى كانت رمزًا للتجمع العائلى والبهجة، باتت محاطة بحواجز وتفتيش مكثف، ما يضيف شعورًا بالقلق إلى تجربة يفترض أن تكون مريحة ومبهجة.
كريسماس تحت الاختبار
بين فيروس يهدد الصحة، وأسعار تخنق الجيوب، وفوضى سفر، ومخاوف أمنية متصاعدة، تدخل أوروبا موسم أعياد الميلاد وهى مثقلة بالأزمات.
الكريسماس هذا العام لم يعد مجرد مناسبة للاحتفال، بل اختبار قاسٍ لقدرة القارة على الصمود فى وجه أزمات متزامنة تضرب الحياة اليومية فى أدق تفاصيلها. وبين الأضواء المعلقة فى الشوارع والقلق المتراكم فى الصدور، يبقى السؤال معلقًا: هل تنجح أوروبا فى إنقاذ موسم الأعياد من التحول إلى شتاء طويل من الخوف؟.