أكد الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، أن خطاب الكراهية لم يعد مسألة هامشية، بل أصبح أحد أخطر التحديات التي تهدد السلم المجتمعي، مشددًا على أن مواجهته تتطلب وعيًا مجتمعيًا شاملًا، وتعاونًا بين التعليم والإعلام والتشريع.
جاء ذلك خلال كلمته في مؤتمر «معًا نحو مواجهة خطاب الكراهية»، الذي عُقد بمشاركة عدد من القيادات الدينية والفكرية، وبشراكة مؤسسات دينية وطنية.
مكونات خطاب الكراهية بين الازدراء والعنصرية
وأوضح القس أندريه زكي أن هناك تصورًا شائعًا يعتبر أن خطاب الكراهية يعتمد على عنصرين أساسيين، أولهما ازدراء وبغض الأفكار، وثانيهما العنصرية، مشيرًا إلى أن البعض يختزل خطاب الكراهية في كونه مجرد توضيح أو طرح أفكار معينة، في حين أن الواقع يؤكد خطورته عندما يتحول إلى أداة للإقصاء والتحريض.
وأكد أن فهم جذور خطاب الكراهية يستلزم إدراك الفارق الدقيق بين حرية التعبير عن الرأي، باعتبارها حقًا إنسانيًا أصيلًا، وبين الخطاب الذي ينتهك كرامة الآخرين ويغذي مشاعر العداء والعنف.
التكنولوجيا الحديثة وسؤال الحرية
وأشار رئيس الهيئة القبطية الإنجيلية إلى أن الساحة العالمية تشهد تحديات متزايدة في هذا السياق، لافتًا إلى أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل قد تسهم، في بعض الأحيان، في الإضرار بالحرية ذاتها، من خلال تسريع انتشار خطاب الكراهية أو ترويج أفكار متطرفة دون ضوابط أخلاقية أو وعي مجتمعي.
وأضاف أن غياب الوعي يجعل بعض الأفراد عرضة للتأثر بأفكار تحريضية، تتحول تدريجيًا إلى ممارسات عنيفة، مؤكدًا أن العنف ليس بالضرورة جسديًا فقط، بل قد يتخذ أشكالًا أخرى مثل العنف المعنوي أو النفسي أو التنمر.
من العنف المعنوي إلى العنف الجسدي
وأوضح القس أندريه زكي أن خطاب الكراهية يمكن تعريفه باعتباره تطورًا متدرجًا من عنف معنوي ونفسي إلى عنف جسدي، وهو ما يجعله خطرًا حقيقيًا على تماسك المجتمعات واستقرارها، داعيًا إلى التعامل معه من جذوره الفكرية والثقافية، لا الاكتفاء بمواجهة نتائجه الظاهرة.
التعليم والإعلام والتشريع في دائرة المسؤولية
وتطرق رئيس الطائفة الإنجيلية إلى تساؤلات جوهرية تتعلق ببيئة التعليم، ودورها في بناء الوعي النقدي وقبول الآخر، مشددًا على أن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون سلاحًا ذا حدين؛ فكما قد تؤدي إلى زيادة خطاب الكراهية، فإنها تمتلك في الوقت ذاته القدرة على نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك.
وأكد أهمية التشريعات والقوانين كأحد المحاور الأساسية في محاربة خطاب الكراهية، بما يحقق التوازن بين حماية حرية التعبير وصون السلم المجتمعي.
السلم المجتمعي لا يُبنى بالكراهية
وشدد القس أندريه زكي على أن قضية السلم المجتمعي تُعد من أهم القضايا التي تواجه المجتمعات المعاصرة، مؤكدًا أن هذا السلم لا يمكن أن يتحقق في ظل خطاب كراهية أو إقصاء، وإنما عبر الوصول إلى أرضية مشتركة تجمع المختلفين، وتمهد الطريق نحو أعلى درجات التعايش والاستقرار المجتمعي.
دعوة للبحث عن المشترك الإنساني
واختتم رئيس الهيئة القبطية الإنجيلية كلمته بالتأكيد على أن مواجهة خطاب الكراهية ليست مسؤولية جهة بعينها، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب وعيًا، وحوارًا، وإرادة حقيقية لبناء مجتمع يقوم على الاحترام المتبادل، والاعتراف بالاختلاف، والسعي الدائم إلى ما يجمع البشر لا ما يفرقهم.