ليس الشتاء وحده موسم البرد، فهناك برد لا يشعر به سوى القلب والروح، برد الجفا، برد الخيبة، برد الخذلان، برد فراق الأحبة، وتبدل الأصحاب.
في بعض الأيام، قد تتجمد ابتسامة الإنسان، ليس من قسوة الطقس، بل من صمت من أحبهم، ومن الفراغ الذي يخلفه الغياب.
برد الروح أشد وطأة من برد الجسد، فهو يسرق القدرة على الفرح، ويجعل القلوب ترتجف رغم دفء البطانيات والأجواء الدافئة.
في برد الروح، لا تكفي الأغطية ولا المشروبات الساخنة، فالحاجة الحقيقية تكون إلى دفء أعمق، إلى الطمأنينة، إلى الحنية، إلى الأمان الذي يشبه حضن الأم أو كلمات صادقة من صديق وفي.
كم مرة شعرنا بالبرد وسط زحام الناس، وسط ضجيج المدن، وسط ضحك الآخرين؟ لأن القلب وحيد، والروح تبحث عن شيء مستقر، عن شيء يجعلها تشعر أنها محمية، وأنها ليست وحدها في هذا العالم الذي يتقلب بلا رحمة.
في لحظات كهذه، قد نتمنى دفئاً لا ينقطع، دفئاً يداوي الجراح الصغيرة والكبيرة، دفئاً يحمي من الرياح القارسة التي تهب من خيبات الحياة وفقدان الأمان.
الدفء ليس مجرد حرارة الجسد، بل هو شعور يسكب في الروح طمأنينة وسلاماً، الطمأنينة دفء، الحنية دفء، والأمان دفء.
ومن يدرك هذا الدفء، يدرك أيضًا قوة الصبر، وجمال التسامح، وروعة اللحظات الصغيرة التي تمنح الروح حياة جديدة.
اللهم اجعل لنا دفئاً لا ينقطع، دفء يحيينا حين يشعر البرد من حولنا، دفء يملأ قلوبنا بالأمل حين تتجمد ضحكاتنا، دفء يجعلنا نثق بالحياة مرة أخرى، مهما أرهقنا برد الأيام وفقد الأحبة، فالروح التي تدفئ بالحب والطمأنينة، لا يعرف قلبها الشتاء، مهما قارست الرياح أو عمّ الغياب.