بينما تقترب المرحلة الثانية من الانتخابات على الانتهاء، تجرى الاستعدادات لإعادة المرحلة الأولى التى تشير إلى تغييرات إلى حد كبير فى نتائج الانتخابات عما كانت تتوقعه الأحزاب أو مرشحوهم، فالمستقلون يقتربون من حسم نسبة لا بأس بها من المقاعد، مما يشى بأن حسابات الأحزاب والكتل المختلفة لم تكن واقعية أو مبنية على حسابات أو معرفة بالشارع والناخب والجمهور.
نظن أنه لا الأحزاب ولا الحكومة تعرفان المواطنين، مهما حاولا الإيحاء بغير ذلك، ومهما حاول مدراء الحملات أو الدعاية هنا أو هناك الإيحاء بأنهم يعرفون الناس، فقد بدت نسب الحضور والتصويت واتجاهاتهم مؤشرا يستلزم إعادة النظر فى التركيبة السياسية، بعيدا عن أوهام التفوق وأهمية وجود حياة سياسية ونقاش مجتمعى حول مطالب المجتمع، والانتخابات وأداء الحكومة والبرلمانات، مع ضرورة هذا الحوار الذى ليس ترفا أو مجرد حركات واجتماعات ولجان تنتهى إلى لا شىء. ونعيد التذكير بأن الحوار الوطنى كان فرصة مهمة للحكومة والنواب والأحزاب بعد عامين من الجلسات والترتيبات والمناقشات، وانتهى إلى توصيات مثلت فرصة لأن يجلس السياسيون والحزبيون والخبراء ونواب وإعلاميون بتنوع واسع الطيف، ويتناقشوا ويختلفوا ويتفقوا بشكل لو نفذت التوصيات، كان من الممكن لأطراف مختلفة أن تجد طريقا بديلا للجمود واللجان الميتة، وقبل الحوار لم توجد أى فرص لأن تجلس أطراف العمل العام مع بعضها، بدلا من فكرة أن تكون جزرا منعزلة تحدث نفسها وبعضها ومؤيديها.
لا يمكن تجاهل وجود فجوة بين الحكومة والمجتمع والمواطن، بينما الرئيس هو الذى يحرص- دائما وفى كل مناسبة- على عبور هذه الفجوة ومخاطبة الشعب، وتقديم تفسيرات وشرح إجابات على تساؤلات المواطنين، بينما الحكومة تفتقد القدرة على التواصل، وتكتفى بجلسات مزدحمة لا تتيح فرصا للنقاش، وتشكيل لجان أو العمل فى الوقت الضائع بجولات متفق عليها أو بيانات وصور على مواقع التواصل، لا علاقة لها بالواقع، ولا تحاول استعمال مراكز المعلومات ودعم القرار فى التعرف على رأى الجمهور، بعيدا عما يقدمه مستشارون يجملون الواقع بما ليس فيه، وتحتاج لمؤسسات وإلى إدارة التواصل مع المجتمع، ونفس الأمر بالنسبة للأحزاب والنواب، والتعامل بجدية مع توصيات الحوار الوطنى بعيدا عن دهاليز اللجان واللجان المنبثقة، و«الدوائر المثلثة والمربعة» التى لا تفضى إلى مخرج.
وقد كشفت الانتخابات عن فجوة بين الأحزاب وبعضها وبين الحكومة والبرلمان، وطبعا بين كل هؤلاء المواطنين، وهذه الفجوة تنتهى بتدخل الرئيس السيسى وتنبيهه إلى مشكلات أحاطت العملية الانتخابية، فجاء ليؤكد على أهمية التدقيق فى اختيار النواب، لأنهم يمثلون الشعب، باعتبار أن أغلبية الشعب من الشباب، لديهم الكثير من الوعى والطموحات، وأن «الجمهورية الجديدة» يفترض أن تنعكس على شكل ومضمون الإدارة والتواصل مع مواطنين ومجتمع واع بشهادة الجميع، ولديه مطالب حقيقية، أفراده تحملوا وصبروا، وينتظرون جنى ثمار كل هذا، ونؤكد أن كل دولة وشعب لهم تجاربهم السياسية، وأيضا القدرة على التعامل مع ما تواجهه من أزمات أو تحديات بطرق تتناسب مع تركيبتها، وتتفاعل مع إمكانات مواطنيها وقدراتهم وتركيبتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والسياسة لا تنفصل عن المجتمع بل هى ترجمة لكل مفرداته، وكل هذا يفرض ممارسة سياسية وانتخابات تقوم على المنافسة والسباقات والمناورات المشروعة، وليس من خلال الشراء أو التدخل بالقوة، والهدف اختيار الأصلح، وليس الأغنى أو الأكثر نفوذا، خاصة أن أغلبية الشعب من الطبقة الوسطى، يفترض أن تكون المؤسسات تعبيرا عن مصالحه، وتوازن المصالح لكل الأطراف فى الاقتصاد والسياسة والانتخابات والحكومة والبرلمان.