نتائج المخرجات الجامعية البشرية المؤهلة، تصب في الصالح المجتمعي دون مواربة؛ حيث تعد الرافد، الذي يغذي سوق العمل الداخلي، والخارجي، ويحاول أن يفي باحتياجاته، ويوفر الخبرات المتطلبة، والمواكبة للتغيرات الجارفة، جراء تقدم تقني، غير مسبوق، وهنا لا يتوقف العطاء المؤسسي، بل، يمتد؛ ليشمل مسيرة الإعداد الواقعة حتمًا على كاهل الأستاذ، صاحب الرسالة السامية داخل المؤسسة العريقة؛ ومن ثم تسلم الأجيال الراية إلى أجيال أخرى، تستكمل المسيرة، وتقدم الخبرات، عبر بوابة التدريس الجامعي، لفلذات الأكباد في التخصصات المختلفة؛ ليستمر نهر مداد المجتمعات بمن يمتلكون التفرد المهاري في مجالاتهم النوعية.
أصحاب الرسالة السامية من الأساتذة القادرين على إعداد أجيال؛ من خلال برامج مقصودة، وعبر منهجية مرتبطة بخطط دراسية واضحة، لا غنى عنهم في بناء هذا الوطن القاطن في قلوب الجميع؛ فهم من يصوّبون الفكر، ويمدون الأذهان بمتلون المعرفة، ويكسبون العقول ما يسهم في تنمية مسارات التفكير لديها؛ ومن ثم تستكمل مراحل بناء الإنسان بالمؤسسة الجامعية؛ ليصبح على جاهزية في أن يخوض غمار العالم الخارجي، ولديه ما يستطيع أن يقدمه، ويحدث به تغييرات مرغوب فيها؛ حيث المشاركة في الإعمار، والبناء بصورها المتعددة، التي يصعب حصرها.
نشير إلى أن هناك مشكلة تلوح في أفق سماء الجامعة المصرية، تتمثل في شكوى الفراغ الأكاديمي في بعض الكليات العملية؛ لأسباب عديدة، قد يكون منها الإجازات الوجوبية، أو السفر، أو رعاية الأسرة، أو المرافقة، أو غير ذلك مما يسمح به القانون ولائحته التنظيمية، وهذا يؤدي إلى محدودية المقدرة على تنفيذ برامج الإعداد، من خلال منْ يمتلكون الخبرة، بعد تربية ممنهجة يمر الأستاذ بها؛ إذ يُعيّن معيدًا، ثم يُرقى بعد مرحلة من الدراسة، والبحث إلى مدرس مساعد، وبعد رحلة من الإبحار يُؤهل لدرجة مدرس؛ حينئذٍ يكون قادرًا على القيام بالأداء التدريس المتكامل؛ فيقدم متلون الخبرة إلى طلابه داخل محراب العلم بصورة منتظمة.
الكادر الأكاديمي إعداده ليس بالأمر الهين؛ إذ يحتاج إلى مرحلة زمنية، يمر من خلالها بالعديد من عتبات التأهيل؛ حيث يكتسب عبرها الخبرات المربية في العلوم التطبيقية المتخصصة، وجفاف التخصصات الأكاديمية يسبب قطعًا معضلة، يتفاقم أثرها بمرور الوقت؛ فقد بدأت الكليات العملية رحلة التطوير، بتبني برامج حديثة، تقوم على فلسفة تعليم الوحدات التعليمية الصغيرة، والمسماة بالموديول التعليمي، بنظام الساعات المعتمدة، وهذا يتطلب توافر أعضاء هيئة التدريس، القادرين على تقديم خبرات نوعية في مجالات تخصصاتها، ونقص العدد، يؤدي حتمًا إلى صعوبة أداء رسالة القسم المتخصص، دون مجادلة.
الدولة المصرية في عهد قيادتنا السياسية الرشيدة، تقوم نهضتها على مبدأ واضح، يتمثل في جودة الأداء، النابع من الإتقان، وبذل أقصى ما في الجهد؛ من أجل بناء إنسان، يستطيع أن يحمل راية تقدم هذا البلد الأمين، وهنا لا نطالب برفاهية، لا مكان لها؛ لكن ننادي بتوفير متطلب أداء رسالة سامية، يتوقف عليها مسيرة أكاديمية، تعد لنا موردًا بشريًّا، يستطيع أن يخدم المجتمع، بل، البشرية قاطبة، وبناءً عليه نحاول أن نستبين الاحتياجات بآليات إدارية، باتت متقدمة، عبر فلسفة الاستبيان المؤسسي، التي تظهر الحاجة، أو العوز؛ ومن ثم نحاول بالطرائق الصحيحة، أن نخرج من أزمة الفراغ الأكاديمي، في الكليات العملية، بمؤسساتنا الجامعية، على وجه التحديد.
دراسة الاحتياجات من قبل القائمين على إدارة المؤسسات، منوط بها تعرف مطالبات الأقسام الأكاديمية، وعلى هذا الأساس تبادر بفتح باب التعيينات، وفق الشروط، أو المعايير، أو المحددات الموضوعة بشفافية، وعلانية، من قِبل هذه الأقسام؛ كي تعضد الجانب الأكاديمي بالأعضاء القادرين على استكمال مسيرة البحث، والتدريس، وخدمة المجتمع أيضًا، من منطلق ثلاثية أدوار الجامعة، وهنا نحصد إيجابيات عديدة، منها تجنب العبء التدريسي الزائد على عدد من أعضاء هيئة التدريس؛ لنضمن جودة الأداء، ونصل إلى معدلات القدرة التنافسية؛ لتأهيل، وإعداد الأبناء، الذين يخوضون ميادين سوق العمل، بخبرات، يستفيد منها المجتمع بصورة مباشرة.
المقام لا يسمح بسرد سلبيات، قد تتفاقم جراء هجران هذه القضية؛ لكن تعرضنا لها من قبيل التذكير؛ كي لا نتباطأ حيال قرارات، تشكل من وجهة نظري المتواضعة أهمية بالغة، في خضمّ ما ننشده من المؤسسات الوطنية في مجالاتها المختلفة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع