جهود كبيرة تبذلها الدولة المصرية لتحسين مناخ الاستثمار ومجتمع الأعمال في مصر، تعكس حرص القيادة السياسية على تذليل جميع المعوقات والصعوبات التي تواجه المستثمرين في مصر سواء الأجانب أو المحليين على حد سواء، ويدلل على ذلك اللقاءات المتعاقبة والمتوالية التي يعقدها رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس الوزراء وزير الصناعة وكذلك وزير الاستثمار، ووزراء المجموعة الاقتصادية في الحكومة، مع المستثمرين والمصدرين والحرص الكبير على الاستماع إلى مشاكلهم ورؤيتهم والتعرف على مطالبهم.
حالة الحوار المتواصلة بين الحكومة والمستثمرين تضفي مزيد من الثقة والطمأنينة لدى المستثمر وتعكس حالة الجدية لدى الدولة في حل المشكلات وتحسين مناخ الاستثمار في مصر، ولعل آخر هذه اللقاءات هو الاجتماع الذي عقده الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أمس الاثنين مع رؤساء المجالس التصديرية، وذلك بحضور المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، وما شهده من تأكيد رئيس الوزراء على أن الحكومة تُولي ملف التصدير أهمية قصوى، وذلك بالنظر لدوره في تحقيق العديد من المستهدفات الاقتصادية والتنموية، إلى جانب الحرص على عقد العديد من اللقاءات والاجتماعات مع مسئولي المجالس التصديرية، بهدف التحفيز المستمر لهذا القطاع المهم، والعمل على حل أي مشكلات وإزالة أي معوقات من الممكن أن تعوق تحقيق المستهدفات.
هذا الاجتماع أبرز أهمية ما تشهده مصر من تزايد مؤشرات وحجم الصادرات المصرية والحرص على استمرار وزيادة حجم الصادرات، وجهود الحكومة في تهيئة المناخ الجاذب للاستثمار، لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، فضلاً عن عرض أرقاما إيجابية ومبشرة عن حجم الصادرات المصرية وتشمل المؤشرات الخاصة بالميزان التجاري لمصر خلال الفترة من يناير حتى أكتوبر من عام 2025، ومقارنتها بنفس الفترة خلال السنوات العشر الماضية، فهذه المؤشرات أوضحت تحقيق أقل عجز تجاري في السنوات العشر، إلى جانب تحقيق أعلى صادرات غير بترولية وصلت إلى 40.7 مليار دولار، وأعلي زيادة سنوية في الصادرات بـ 6.5 مليار دولار، فضلا عن تحقيق أكبر حجم تجارة خلال عقد، حيث سجل حجم التجارة 107.6 مليار دولار.
لغة الأرقام هنا تتحدث وتعكس إرادة الدولة المصرية وجهودها الكبيرة المبذولة لتشجيع الاستثمار، حيث إن الزيادة في معدلات الصادرات يرجع إلى ارتفاع حجم الاستثمارات وزيادة كفاءة استغلال القدرات الإنتاجية، وهو المحرك الأساسي لنمو الصادرات وتعزيز التجارة، والذي يسهم بشكل إيجابي في تقليص العجز في الميزان التجاري، والأمر يتطلب تعزيز جهود الدولة في نفس الإطار بالعمل على خفض الواردات مع دعم جهود توطين الصناعة.
أيضاً حديث رؤساء المجالس التصديرية خلال الاجتماع مع رئيس الحكومة يعكس حالة التفاهم والتعاون بين الجانبين، وأهمية ذلك في دفع وتشجيع المستثمرين لمزيد من الجهد وارتفاع حجم الصادرات المصرية بشكل أكبر خلال الفترة القادمة، حيث أكدوا أن الاستثمارات الخارجية التي دخلت مصر في قطاع مثل "الأجهزة المنزلية" كان لها الأثر الكبير في ارتفاع معدلات التصدير، وأن الفترة المقبلة ستشهد ارتفاعاً في معدلات التصدير، نظراً لما يشهده مناخ الاستثمار في مصر من محفزات لكبري الشركات سواء المصرية أو العالمية، وأن"عام 2026 أكثر تفاؤلاً فيما يتعلق بمعدلات حجم الصادرات المصرية"، وهى رسائل مهمة تبعث على الطمأنينة والتفاؤل وتعكس حالة التناغم بين الدولة والمستثمرين، بجانب تأكيدهم على أنهم يعملون حالياً على توطين صناعة المكونات التي تدخل في العديد من الصناعات، والتي كان يتم استيرادها، وهو ما يسهم في تخفيض فاتورة الاستيراد وتعميق الصناعة الوطنية.
المطالب والمقترحات التي عرضها رؤساء المجالس التصديرية يجب أن توضع في الاعتبار، للحفاظ على ما تحقق من مؤشرات إيجابية في مختلف القطاعات التصديرية، والعمل على زيادة حجم الصادرات خلال الفترة القادمة، ويجب البناء على هذه الخطوات الإيجابية وتعزيز ودعم المبادرات التمويلية، وغيرها من الإجراءات والخطوات التحفيزية لمختلف القطاعات الإنتاجية، وأن تلتزم الحكومة ببرنامج رد الأعباء التصديرية، ودعم المصدرين لتشجيعهم على مزيد من العمل وزيادة الإنتاج وإقامة مشروعات استثمارية وصناعية لتوطين الصناعة والحد من الاستيراد.. ويجب أن نؤكد هنا أيضاً على أهمية الرسائل الإيجابية من الحكومة للمستثمرين ومجتمع رجال الأعمال ودعوتهم لضخ المزيد من الاستثمارات، وأن المناخ جاذب والفرص واسعة وواعدة وعليهم أن يغتنموها.
ومن هذا المنطلق، يكتسب الاجتماع الذي عقده الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مع رؤساء المجالس التصديرية، أهمية خاصة، ليس فقط باعتباره لقاءً تنسيقيًا، وإنما باعتباره شهادة جديدة على مسار اقتصادي بدأ يؤتي ثماره، فالحكومة، كما بدا واضحًا في هذا الاجتماع، وضعت ملف التصدير في صدارة أولوياتها، إدراكًا لدوره المحوري في تخفيف الضغط على الميزان التجاري، وتعزيز تدفقات النقد الأجنبي، ودعم النمو الحقيقي القائم على الإنتاج لا الاستهلاك، والأهم أن هذا الاهتمام لم يعد خطابًا سياسيًا تقليديًا، بل تحول إلى متابعة دقيقة للمؤشرات، وحوار مباشر مع مجتمع المصدرين.
الأرقام التي استعرضها وزير الاستثمار والتجارة الخارجية تكشف عن لحظة فارقة: أعلى صادرات غير بترولية في تاريخ مصر بقيمة 40.7 مليار دولار، وأقل عجز تجاري خلال عشر سنوات، وأكبر حجم تجارة في عقد كامل، والرسالة الأهم التي خرج بها الاجتماع، أن الاستثمار هو القاطرة الحقيقية للتصدير، فزيادة القدرات الإنتاجية، وتحسين كفاءة المصانع، وتوطين المكونات الصناعية، كلها عوامل حولت مصر من سوق مستهلك إلى مركز إنتاجي قادر على المنافسة،، وتجربة قطاعات مثل الأجهزة المنزلية، والملابس الجاهزة، والصناعات الغذائية، تقدم نموذجًا واضحًا لكيف يمكن للاستثمار الأجنبي والمحلي معًا أن يصنع فارقًا سريعًا وملموسًا.
اللافت أيضًا، أن خريطة التصدير المصرية لم تعد حكرًا على قطاعات تقليدية، بل باتت متنوعة تشمل مواد البناء، الكيماويات، الصناعات الهندسية، الأثاث، الصناعات الطبية، بل وحتى تصدير العقار، وهو مفهوم جديد يعكس تطورًا في التفكير الاقتصادي واستغلال المزايا التنافسية للمشروعات القومية الكبرى، ودعوة رئيس الوزراء للمستثمرين بمضاعفة استثماراتهم لم تكن مجرد حث معنوي، بل كانت رسالة ثقة بأن المناخ بات مهيئا والفرص حقيقية، والدولة شريك لا عائق، وهى رسالة مهمة في توقيت دقيق، تحتاج فيه مصر إلى تعميق الصناعة، وتوسيع قاعدة التصدير، وتحويل النجاح النسبي إلى نجاح مستدام، وما نشهده اليوم هو انتقال تدريجي من اقتصاد يتعامل مع التحديات إلى اقتصاد يصنع الفرص.
إن الخطوات الإيجابية التي تبذلها الحكومة بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لدعم وتشجيع المستثمرين ضرورية ومهمة، ونثمن تأكيدها الحرص على إطلاق حزمة استثمارية متكاملة من أجل إعطاء دفعة للقطاعات الرئيسية الواعدة في الاقتصاد المصري، وأهمية وضع تصور للمؤشرات الكلية للاقتصاد عند طرح الرؤية الخاصة بالحوافز والمزايا الاستثمارية، وضرورة تناول السياسات التي تؤدي إلى تحقيق المستهدفات في كل قطاع من خلال أرقام ومؤشرات واضحة يتم العمل على تنفيذها.