يشهد المجتمع المصري تصاعداً مقلقاً في مستويات العنف والحريمة. لا يقتصر فقط على الجرائم المادية ضد المرأة والطفل داخل البيوت والمدارس، بل يمتد إلى العنف اللفظي والرمزي غير المبرر الذي تفجره وسائل التواصل الاجتماعي.
لم تعد الأسرة هي الساحة الوحيدة للوحشية، بل أصبح الفضاء العام ساحة للإعدام المعنوي الجماعي. زادت جرائم التعدي حد القتل ولأتفه الاسباب . واغتيال براءة الأطفال بكل وقاحة في المدارس والنوادي، دون خوف.
تحولات كثيرة وغريبة عن مجتمعنا الهادئ
قضية الفنان أحمد السقا ومساندته لمحمد صلاح الأخيرة تكشف بوضوح عن هذا التحول. تحول فيديو تعاطفي بسيط إلى عاصفة من الهجوم والتنمّر والسخرية الجارحة استهدفت السقا نفسه. هذا النوع من الهجوم هو عنف لفظي يدمر سمعة الفرد ويستنزفه نفسياً. السؤال هنا: لماذا يتحول فعل إيجابي بسيط إلى مناسبة للسب والشماتة، حتى ضد رموز المفترض أنها مصدر فخر؟
تكمن جذور هذه الوحشية المتصاعدة في تشابك الضغوط. لم يعد العنف محصوراً في الخلافات الأسرية التقليدية؛ بل أصبح إسقاطاً للغضب الداخلي على أي شخص يظهر في دائرة الضوء.
العنف غير المبرر في قضية السقا وصلاح يتجلى في:
* هشاشة الأنا الجماعية: يعيش جزء من الجمهور توتراً بين الإحساس بالعجز في الواقع ورؤية نماذج فردية ناجحة عالمياً. هذا التوتر يتحول إلى حسد مكتوم يتجلى في التهكم والشماتة كلما تعرض النجم لأزمة.
* تغيّر نظام القيمة: تحولت "الجدعنة" التاريخية من مساندة الآخر إلى القدرة على إنتاج تعليق ساخر "يجيب تفاعل" حتى لو كان جارحاً. أصبح العنف اللفظي هو وسيلة التعبير السريعة والسهلة لجلب الشهرة الافتراضية.
في المقابل تتفاقم جرائم العنف الأسري المادية ضد المرأة والطفل، مدفوعة بالضغوط التي تزيد من التوتر الأسري والثقافة الذكورية التي تبرر السيطرة الجسدية. الضحية هنا تكون عادة الطفل والمرأة اللذين يدفعان ثمن التفكك والإحباط.
لمواجهة هذه الوحشية المزدوجة يجب على المجتمع تجاوز ثقافة الصمت والوصمة وتوفير الدعم النفسي والقانوني الفعال للضحايا. الأهم هو استعادة الوعي القيمي بأن الشخص على الشاشة أو داخل المنزل ليس هدفاً مجانياً للغضب أو الإهانة.