ألقت الدكتورة مونيكا حنا بكتابها (مستقبل علم المصريات) حجرًا في ماء راكد في مصر، إذ بطرحها هذا لمست نقطة تتعلق بغربة علم المصريات في مصر، هذا من ناحية، بل جاء الكتاب وكأنه ينكأ جرحًا عميقا يتهرب منه الجميع، تتفق أو تختلف مع ما جاء في الكتاب، إلا أنه أوجد حاله ونقاشا وصل إلي حد الأحتداد عليها، والبحث عن خطأ هنا أو هناك في متن الكتاب، وأنا أري أن كتابًا يفعل هذا كله فهو كتاب نجح في إظهار أن لدينا إشكاليات، أولها كيف لبلد مثل مصر لها علم يحمل اسمها ولا تكون هي الرائدة فيه، بل إن عدد من علماء المصريات العظام قدرا كانوا يترفعون عن الكتابة للمصريين، ولنا في ذلك عدة أمثلة كالدكتور علي رضوان فعلي قدر علمه الكبير فضل الكتابة بالألمانية، ولم يقدم للناس ولطلابه كتبا بالعربية، وشرحه العالم الجليل الدكتور جاب الله علي جاب الله كتب باللغة الإنجليزية ولم يكتب بالعربية، لذا فنحن أمام أزمة متعلقه بأنه ليس لدينا برامج بحثية لتوطين علم المصريات في مصر، بل إن أفضل ما يكتب في هذا التخصص يكتب باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.
أتفق مع الدكتورة مونيكا حنا في أن تحرير علم المصريات من قبضة الأجانب أو بمعني أدق ليس تحرير علم المصريات هو الذي دار عليه الصراع في مصر، دار الصراع حول إدارة مصلحة الأثار المصرية التي سيطر عليها الفرنسيين إلي عام 1952، فقد كانوا يسلمون بعضهم إدارة هذا الملف، كما أن ظهور مصريين عملوا في هذا المجال جاء بفضل الألمان الذين فتحوا الباب لنا، ولا ننسي إلي الأن أن المدرسة الألمانية في هذا المجال وفي مجال الأثار الأسلامية كان لهم أيداي بيضاء، وهذا كان موضوع فصل كامل في كتابي (البحث عن مصر) الذي صدر عن بيت الحكمة منذ عام، حيث أن هناك العديد من الملاحظات لي في هذا السياق، أولها أن أبو علم الأثار في مصر كان رفاعة الطهطاوي والذي سانده في هذا السياق كان علي باشا مبارك، وهو موضوع يطول شرحه، هذا من ناحية ومن ناحية أخري صاحب ولع الغرب بالفراعنة رغبة في اقتناء المتاحف الأوربية وأصحاب المجموعات الخاصة مما شكلل ضغطا كبيرا للحفر خلسه أو لسرقة أثار مصر، وعلينا أن نعي أن المشكلة لدينا فليس لدينا مخطط واضح لخوض معركة حقيقية لاعادة هذا التراث المنهوب.
وعلينا أن نكون حذرين فقد خرجت ألاف القطع من مصر بصور شرعية سواء بالأهداء من الدولة المصرية أو بقانون تقاسم ناتج الحفريات الذي أبطل بعد ذلك، أعجبني في النهاية في كتاب مونيكا حنا فصل متميز هو (نحو علم مصريات نقدي) وهو هنوان مثير يحتاج منها المزيد من البحث تحته، الكتاب يفتح لنا أفاقا للمزيد من التناول ولاعادة تأسيس علم مصريات مصري وأن تكون في مصر مدرسة له، وقد كان لي محاولة في مكتبة الإسكندرية، لكنها لم تكتمل للأسف، وإن كنا نستطيع أن نقول أن الأرض ممهده لهذا، فتأسيس كلية للأثار في جامعة عين شمس بمنهج جديد تبشر بهذا، فضلا عن صدرو سلسلة جيدة في المصريات من الهيئة العامة للكتاب تبشر بعلماء يمكن أن يكون لهم دور مستقبلا، ووعي الجيال الصاعد من المتخصصين في المصريات، فضلا عن دور لا ينكر للمركز القومي للترجمة في ترجمة العديد من الكتب الهامة في هذا الحقل، كما أن دار البحر الأحمر من دور النشر المصرية التي تبشر بسلسلة من الكتب في هذا الحقل، لكن يظل دور وزارة الأثار غائبا للأسف الشديد، فلابد أن يكون لها دور علمي فهي ليست كيان وظيفي فقط، بل من أدوارها البحث العلمي وتحفيزه .