وجه الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية، تكليفا إلى قائد الجيش الثانى الميدانى اللواء عبدالمنعم خليل، بضرورة الحصول على أسرى من العدو الإسرائيلى، فدارت العجلة للتنفيذ، ووقعت أول عملية يوم 14 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1969 وفقا لتأكيد الدكتورة «إنجى محمد جنيدى» فى كتابها «حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل -1967 1970».
أعطى الفريق فوزى هذا التكليف أثناء عمليات حرب الاستنزاف التى كان الجيش المصرى يخوضها ببطولة معهودة ضد العدو الإسرائيلى، والتى بدأت مع نهاية حرب 5 يونيو 1967 فى أغلب الآراء فى مارس عام 1969، حسبما يؤكد فى كتابه «حرب الثلاث سنوات «1967 - 1970»، وتذكر «جنيدى»، أن فترة هذه الحرب التى بدأت من يونيو 1967 حتى أغسطس 1970 تنقسم إلى ثلاث مراحل، وتبدأ بالمرحلة الأولى وهى «الصمود من يونيو 1967 حتى أغسطس 1968»، والمرحلة الثانية وكانت «الدفاع النشط من سبتمبر 1968 حتى فبراير 1969»، أما المرحلة الثالثة فهى «المعارك من مارس 1969 حتى أغسطس 1970».
ووفقا لهذا التقسيم، فإن تكليف الفريق فوزى، وتنفيذه يقع فى «المرحلة الثانية»، ويقول عنه، إن الخطط المنفذة لهذا التكليف تم وضعها، وبدأت التشكيلات فى التمهيد لهذه العملية الضرورية، ونجحت الفرقة الثانية المشاة فى قطاع اللواء 117 مشاة جنوب الإسماعيلية فى الحصول على أسير ضابط يسمى «دان أفيدان»، أثناء تحركه بعد الغروب عائدا إلى موقعه فى «الدفرسوار» فى سيارة جيب، وعادت به الدورية وسلمته حيا ومعه وثائق إلى القيادة العامة للقوات المسلحة».
يضيف الفريق فوزى: «دفعت التشكيلات عناصر من أفرادها مدربين تدريبا عاليا لتنفيذ مثل هذه المهام، وكانت الدورية المكلفة بالحصول على أسرى صغيرة فى الحجم، قوية فى رجالها وعزيمتهم وأسلحتهم، كانوا خمسة رجال، اثنين ضباط وثلاثة ضباط صف من سرية استطلاع اللواء 117 مشاة عبروا قبل الفجر إلى الضفة الشرقية، وحفروا حفرا شخصية اختبأوا بها طول النهار حتى سنحت لهم فرصة عبور سيارة جيب عائدة إلى موقعها فى الدفرسوار».
يكشف الفريق فوزى طبيعة الخطة التى تم وضعها، قائلا: «تم رص أربعة ألغام على الطريق فى الحفر الموجودة فى الأسفلت وتغطيتها بنفس لون الأرض، وتقسيم أنفسهم إلى ثلاث مجموعات، اثنين اقتناص، واثنين تأمين، والفرد الخامس مراقبة، وإنذار وحراسة على الساتر الرملى خلفهم»، ويؤكد فوزى: «بالصبر والمثابرة وقوة التحمل تمكنت هذه المجموعة الصغيرة من أسر الضابط، بعد انفجار اللغم فى السيارة وقتل السائق نتيجة الانفجار، وتمكنوا من أسر الضابط الذى أصيب فى فخده وبطنه من الانفجار، وقال لأفراد الدورية بعد أسره: «أنا ضابط إدارى ماليش دعوة»، كما تم أسر رقيب إسرائيلى مصاب بإصابات خطيرة، وتعاون الأربعة على حمل الأسيرين مستخدمين البنادق والبطاطين كمحفة للنقل حتى وصلوا إلى الشاطئ الشرقى، وأعطى المراقب إشارته لتحرك القارب إليهم من الضفة الغربية، وتم نقل أسير واحد، أما الثانى فترك مكان الحادث حيث توفى متأثرا بجراحه».
يتذكر الفريق عبدالمنعم خليل هذه العملية فى مذكراته «حروب مصر المعاصرة»، قائلا، أن خمسة من أفراد اللواء 117 التابع للفرقة الثانية مشاه تمكنوا من أسر الضابط «دان أفيدان» وحمله سباحة إلى الضفة الشرقية للقناة برغم ثقل وزنه وطول شعر ذقنه، ويومها قال: «أنا ضابط كنتين ولست مقاتلا، وماليش دعوة»، وتم حمله بمعرفة أفراد الدورية على نقالة مبتكرة من البطاطين وعبروا به القناة سباحة إلى الصفة الغربية، وتم عمل الإسعافات اللازمة له فى السرية الطبية للواء 117، لعلاجه من إصابته فى فخذه من انفجار اللغم فى سيارته الجيب».
يضيف «خليل»: «كان لهذا الحادث أثر كبير فى قوات الجيش الثانى خاصة، والقوات المسلحة عامة، وزرت أفراد الدورية وأمرت بترقيتهم ترقية استثنائية إلى الرتب الأعلى، وعلقت على صدر كل بطل منهم ميدالية بطل الجيش الثانى»، ويؤكد أن «أفيدان» بقى أسيرا حتى حرب أكتوبر 1973، قائلا: «تشاء الظروف أن أقابل هذا الضابط الإسرائيلى «دان أفيدان» فى معتقله قبل حرب أكتوبر 1973 بشهور قليلة، وتبادلنا التحية العسكرية، وكان فى هذه المرة حليق الذقن».
يؤكد الفريق فوزى، أن هذه العملية أصابت الإسرائيليين بذهول شديد، ويضيف: «لم يحدث ما كنا نتوقعه من انتقام سريع بالطيران أو المدفعية أو الهاونات إلا فى صباح اليوم التالى، حيث نشطت قوات العدو الجوية وكذا مدفعيته وهاوناته، وكانت لدينا أسلحة الردع للرد الفورى بالمدفعية والهاونات ومن مرابض الدبابات فى النسق الأول التى كانت تناور لاحتلالها عند اللزوم».
ويذكر فوزى: «لم تحدث أى إصابات فى أفراد الدورية وعادوا سالمين وزارهم قائد الجيش الثانى فى اليوم التالى، ومنحوا ميداليات العبور ومكافآت مالية، وكان لهذا الحادث العظيم أثر كبير فى نفس أفراد قوات الجيش الثانى خاصة، والقوات المسلحة وشعب مصر عامة، فهذا أول أسير ضابط تأسره القوات المصرية منذ عام 1948، ونشرت الصحف فى مصر والعالم هذه القصة وصورت هذا الضابط «دان أفيدان».