منذ سنوات، ومع بداية تدشين المشروع الوطنى وإعادة «فرمتة» البلاد، فى كل المجالات، كانت جماعة الإخوان تترنح إثر «ضربة» المصريين القاتلة على رأسها فى 30 يونيو 2013، وحاولت بعدها أن تثبت للعالم أنها موجودة وواقفة على أقدامها، فأطلقت كل ميليشياتها الإرهابية المسلحة، لإثارة الفوضى، وإشعال الحرائق وحصد أرواح خيرة شباب مصر، من ناحية، وإطلاق كتائبها الإلكترونية لإثارة البلبلة على مواقع السوشيال ميديا، والتشكيك والتسخيف من العمود الفقرى للوطن، الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة، من ناحية أخرى.
بدأت خطتها بالتشكيك وتشويه خير أجناد الأرض، عندما وصموه بجيش السمك والجمبرى، والكعك والبسكويت، وسار خلفهم كالعادة، أصحاب «الإيجو المرتفع» المنصبون أنفسهم نخبا ومثقفين وسياسيين مدعين الحياد، القاطنين المناطق الرمادية، الجالبة للوبال على البلاد والعباد.
فى المقابل كانت هناك عقول تفكر وتدبر، وقيادة لديها منسوب الوعى مرتفعا فى استشراف المخاطر، وقراءة الخرائط الملتهبة، على كافة المحاور الاستراتيجية، وإلى آخر نقطة جغرافية للأمن القومى المصرى، لإعادة صياغة مفهوم جديد للقوة، تأسيسا على واقع سياسى واستراتيجى مغاير عن المفاهيم النمطية القديمة، والانتقال من إشكالية استيراد السلاح بكل ما يكتنفها من عقبات ومحاذير وشروط مجحفة ومفاوضات شاقة، إلى فكرة التصنيع.
هذا التغيير الجوهرى فى إعادة صياغة مفهوم القوة، واللجوء لتصنيع السلاح والتحكم فى مصير القرارات الاستراتيجية، ما كان له أن يتم إلا وسط حالة من الهدوء والصمت والخداع الاستراتيجى المبهر، ففى ظل تصعيد جماعة الإخوان من حملاتها التشكيكية ضد مؤسسات الدولة وفى القلب منها جيش مصر، وإلصاق به اتهام جيش إنتاج السمك والجمبرى، والكعك والمكرونة، كانت الدولة منشغلة فى تدشين مشروعها الوطنى، ووضع خطط تطوير مصانع السلاح وتحديثها، والاستعانة بالعقول المبتكرة، وعقد شراكات قوية مع دولة صديقة وحليفة، لتصنيع سلاح متطور قادر ليس لسد العجز، وإنما للمنافسة العالمية والإبهار.
بصمة هذه الرؤية الإستراتيجية الماكرة، ظهرت للعلن، خلال الأيام القليلة الماضية، فى معرض إيديكس 2025 عندما شاهد العالم قدرات مصر فى إنتاج أسلحة متنوعة ومتطورة، من المسيرات «جبار 250» الشبحية التى أحدثت زلزالا عنيفا وصدمة كبيرة لكل الأعداء، ورسخت لمصر مكانة بين الدول المنتجة للمسيرات الحديثة والمتطورة، مرورا بالقنبلة «MK84E» الخارقة للدفاعات، فقد طٌورت وأدخلت عليها تحديثات بعقول مصرية، ثم راجمة الصواريخ المجنزرة «رعد 300» صوتها أصم أذانهم، فمنظومة إدارة النيران للهاوتزر 155 أحدث منظومة مدفعية تكنولوجية فى العالم، والتى تصيب الأهداف بدقة بالغة.
ناهيك عن طفرة اللنش البحرى المسير بدون طاقم «001-USVAIO» والمجهز بمنصة أسلحة التحكم بها عن بعد، وأهميتها تكمن فى تنفيذ مهام عمل الدوريات الأمنية البحرية؛ أما تصنيع مركبة الإصلاح والنجدة «سينا 806» فحدث ولا حرج، فهى مركبة تعمل مع المركبات المدرعة «سينا 200» لمهام الإصلاح والإنقاذ، مزودة بونش رفع وسحب.
هذه مجرد نماذج معلنة فى معرض السلاح إيديكس 2025 تؤكد أن مصر خرجت من القمقم واستيقظت من بياتها الشتوى الطويل، فى صحوة زئيرها سمع صداه فى كل مكان، وأن البيانات والمعلومات المؤكدة تشير إلى ارتفاع ملموس فى أداء الشركات المصنعة للأسلحة والمعدات العسكرية، ونمو فى الإيرادات، ما يعكس زيادة الطلب على شراء السلاح المصرى، والثقة الكبيرة فى قدراته وما وصل إليه من تقدم تكنولوجى كبير.
زئير الصحوة، هى لحظة التنوير التى نكتشف فيها قدرات فى أنفسنا أكثر مما نعتقد، وأن الأمر كان يحتاج إلى قيادة بارعة فى التفتيش عن هذه القدرات وإظهارها، فالمنطقة تتغير وتتبدل أحوالها بين لحظة وأخرى، وبسرعة كبيرة، وموازين القوى تتحرك تحت أقدام اللاعبين الرئيسيين، فكان لابد من الاستعداد القوى لهذه المتغيرات المؤثرة بعنف فى الخرائط الجغرافية، باليقظة والجاهزية وتعزيز القدرات ومن بينها تصنيع السلاح.
ما أظهرته مصر فى معرض إيديكس، من أسلحة متطورة، كانت رسالة سياسية مزدوجة، للخارج، مفادها، نحن هنا، ثابتون، جاهزون، قادرون، ورغم أن عقيدة مصر الراسخة، هى السلام والأمن والاستقرار، لكن السلام الذى تحميه وتعززه قوة كبيرة، ونحن نمتلك كل مقومات القوة، ولن نسمح بتهديد حدودنا، ولن نسلم قرارنا فى يد أحد، ولن نترك أرضنا نهبا لطموحات الآخرين.
أما الرسالة الثانية المبطنة فكانت للداخل، مفادها أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، والمتعاطفين لا إراديا معهم، الذين شككوا وسخفوا من جيش الكنانة، ووصموه بأنه جيش السمك والجمبرى، والكعك والبسكويت، هاهو جيش مصر الحقيقى، الذى تجده فى كل المناسبات عضد الأمة القوى وعمودها الفقرى، البارع فى الحفاظ على مقدرات البلاد.
هذه هى عقيدة جيش مصر الممتدة منذ آلاف السنين، بدءا من الجيش الذى قاده الملك مينا موحد القطرين، ثم جيش حورس، وتحتمس الثالث ورمسيس الثانى، والدولة الحديثة فى عهد محمد على، ثم وصلت للقمة فى جيش الجمهورية الجديدة، بتغيير الصورة الذهنية عن القوة، وتأكيد أن القوة لم تعد تْقاس بعدد الأسلحة التى تمتلكها دولة ما وتستعرضها فى ساحة العرض، وإنما بقدرة الدولة على تصنيع وتوطين التكنولوجيا الوطنية الرادعة، وهو تحول استراتيجى مبهر، فالانتقال من مُشترٍ تقليدى إلى مُصنِّع قوى وفاعل فى سلاسل القيمة العالمية للصناعات الدفاعية، لتحولٌ لو تعلمون عظيم.