تمر علاقة نجمنا العالمي محمد صلاح، المحترف في صفوف ليفربول الإنجليزي، بواحدة من أكثر مراحلها توترًا منذ وصوله إلى "أنفيلد" عام 2017، فلم تعد الأزمة مجرد "تراجع في المستوى" أو "خلاف تكتيكي"، بل تحولت إلى معادلة معقدة تجمع بين نجم يسعى للاحترام والتقدير، ونادٍ يخوض مرحلة إعادة بناء صعبة، وجمهور يراقب كل تفصيل في مسيرة أسطورته.
الأزمة الأخيرة بين محمد صلاح ومدربه آرني سلوت لم تكن لحظة انفعال عابرة، بل نقطة التقاء لتوترات تراكمت تدريجيًا ثم انفجرت في وقت واحد، مع تغير فلسفة الجهاز الفني، شعر الملك المصري بأن دوره داخل الفريق يُعاد تشكيله على نحو لا يتسق مع مسيرته الطويلة والناجحة في النادي.
داخل أروقة ليفربول، تحدث البعض عن أن الشرارة بدأت مبكرًا مما ظهر في الإعلام، عبر إشارات غير مباشرة في جلسات الفريق، ونقاشات حول "مساحة الحركة" داخل الملعب، واستفسارات من المدرب عن إمكانية "تخفيف اعتماد الفريق" على صلاح في بعض المواقف الهجومية.
هذه التفاصيل الصغيرة عادة لا تُحدث أزمة، لكنها تصبح قنابل صامتة حين تتعلق بلاعب ساهم في تشكيل هوية الفريق على مدى سنوات.
تضاعف الضغط مع بحث إدارة ليفربول عن تجديدات شاملة للمشروع الفني، مع تلميحات حول تقليل الاعتماد على الأسماء الكبرى، حيث إن بعض مسؤولي النادي رأوا أن المدرب يسعى لإثبات استقلاليته سريعًا عبر قرارات صادمة، وأن استبعاد صلاح كان – دون قصد – رسالة لإظهار السيطرة على المشروع الجديد.
مثل هذه الحسابات الإدارية الباردة تتجاهل حقيقة أن محمد صلاح ليس مجرد لاعب ضمن الفريق، بل "نقطة ثقل" تستقر حولها غرفة الملابس، وعندما شعر بأن قيمته تُراجع بطريقة لا تليق بتاريخ العلاقة، انكسرت الثقة العميقة التي حافظ بها على الفريق رغم كل الضغوط.
تظهر تفاصيل أخرى خلف الستار، مثل التوتر بين الطاقم الطبي والجهاز الفني بشأن التعامل مع الإصابات الأخيرة لصلاح، نقاشات حول الأحمال البدنية، ورغبة اللاعب في المشاركة في لحظات كان يرى نفسه جاهزًا لها، بينما فضّل المدرب المجازفة بأسماء أخرى.
هذا النوع من سوء التفاهم يخلق فجوة غير مرئية في المباريات، لكنها تتكشف عند اتخاذ قرارات حادة باستبعاده، أو عند تصريحات اللاعب التي تعكس شعوره بأن احترامه أصبح محل شك.
من جهة النادي، هناك خشية من أن يبقى الفريق "أسيرًا لمرحلة صلاح" بدلًا من المضي قدمًا في مشروع جديد.
ومن جهة صلاح، هناك خوف إنساني مفهوم: الخوف من أن يتلاشى إرثه في المكان الذي كتب فيه أحد أجمل فصول مسيرته،إنها مواجهة بين من يريد إعادة هندسة المشروع، ومن يريد أن يغادر اللاعب من الباب الكبير وليس من فتحة جانبية ضيقة.
المستقبل مفتوح أمام ثلاثة مسارات:
1- جلسة صريحة تهدئ الأزمة: يتم خلالها إعادة ترتيب العلاقة ومنح محمد صلاح وضوحًا كاملًا واحترامًا لمكانته، ما يسمح باستمرار الموسم بشكل أكثر نضجًا واستقرارًا للفريق.
2- انتقال محتمل: إذا شعر محمد صلاح بأن العقد العاطفي بينه وبين النادي قد تمزق، قد يبدأ التفكير الجدي في الانتقال، ليخرج من الضغط ويستعيد شعوره بالسيطرة على مستقبله.
3- استمرار حتى نهاية العقد مع تغييرات: وهو الأقل احتمالًا، لكنه مطروح، حيث يبقى محمد صلاح حتى نهاية عقده مع تعديل جذري في طريقة تعامله مع الإدارة والجهاز الفني، لضمان وزنه في اتخاذ القرارات الحاسمة داخل الفريق.
في كل السيناريوهات، ما يمر به محمد صلاح أكبر من مجرد أزمة لاعب مع مدرب، إنها لحظة مواجهة بين تاريخ صنعه بيديه، وحاضر يريد الآخرون إعادة صياغته دون الاعتراف الكامل بمن بناه، وهنا يصبح التعاطف معه ليس انحيازًا، بل فهمًا لرجل يخشى على صورته الأخيرة في حكاية كتبها بموهبة وعرق ومثابرة نادرة، ويستحق احترام الجميع.
الخروج الآمن من هذه الأزمة يتطلب:
احترامًا متبادلًا بين اللاعب والإدارة والجهاز الفني
وضوحًا في الخطط ومكانة صلاح ضمن المشروع الفني الجديد.
قرارات حاسمة وجريئة تضمن إنهاء الخلاف دون خسائر لأي طرف.
محمد صلاح ليس مجرد لاعب، إنه رمز لمرحلة ذهبية في تاريخ ليفربول، وأي خطوة في التعامل معه يجب أن تعكس تقديرًا لمكانته، وتوازنًا بين مصلحة النادي ومستقبل اللاعب.. إدارة هذه الأزمة بحكمة ووضوح ستضمن استمرار النجاحات، سواء عبر التجديد، أو الرحيل المشرف، أو استمرار صلاح مع تعزيز دوره في الفريق، لتظل نهايته متناسبة مع أسطورته التي صنعها على مدار السنوات الماضية.