حازم حسين

انتشل الغريق فلن يجف البحر.. غزة بعد تحديث الاستراتيجية الأمريكية وقبل استدعاء نتنياهو

الأربعاء، 10 ديسمبر 2025 02:00 م


خارطة القطاع على الطاولة، والسكاكين ناشبة فيها من كل اتجاه؛ ولا مهرب من الجرح إلا إلى جرح بديل. كُتِبَت الدراما بمِداد أسود من بدايتها، وآلت إلى مُفاصلة بين خيارات كلها مُوجعة، وأشدّ وجعًا منها أن يبقى المصير مُعلّقًا دون اختيار.
للأيام المُقبلة على غزة أهمية مُضاعفة. من جانب، أوشكت المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار على إغلاق دفاترها، وفى المقابل لا تبدو معالم الانتقال واضحة بعد، بين مسار مرسوم بوضوح منذ ما قبل الانطلاق، وعقبات تُلقَى على الطريق تباعًا، وكلها بالبديهة من ترتيب نتنياهو، ومحاولاته المستميتة للاستدارة على الصفقة وما فيها من التزامات واضحة.

أخرجت الأرض ما فى باطنها من جثامين؛ باستثناء تابوت ينتظر الرفات الذى سيملؤه. الضحايا يُفتّشون عن الغريب قبل القريب، ولا يغيب عنهم قطعًا أن الركام يطمر آلافًا من الغزيين الذين تشتاق أرواحهم لوداعٍ ومقبرة. أمّا الجُناة المسعورون فيقبضون على ذريعة الميِّت الوحيد، ليسدلوا حجاب الفناء والموت على الأحياء جميعًا.

تُدَفِّع الولايات المُتّحدة رسائلها الخافتة ببطء وإتقان؛ فيتردد أن الرئيس ترامب يتطلع للإعلان عن دخول المرحلة الثانية قبل عيد الميلاد، على أن تكون مشمولة بالاستقرار على نموذج أوّلى للإدارة المدنية المؤقتة فى رفح، وبينهما يُخيّم الضباب على ما يخص مجلس السلام الذى سيُشرف على العملية من قمّتها، وقوة الاستقرار الدولية التى ستغوص فى تفاصيلها إلى القاع.

يُوشك بنيامين نتنياهو أن يحزم حقائبه. ضُرِب الموعد عموميًّا فى مُهاتفة مع البيت الأبيض خلال الأسبوع الماضى، وتحدّد ميقاته مؤخرا قبل ثلاثة أيام من نهاية العام، على ما قالت المُتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، وستكون الوليمة باذخة من الشمال إلى الجنوب، وفى المُعلَن والمُضمَر بين الرجلين أيضًا؛ لكن غزة قد تكون الطبق الرئيسى الذى يُعبّئ البطن ويحتكر أغلب وقت العشاء، إذ لم تعد تصلح للأسف أن تُحسَب على المُشهّيات، ولا أن يُختَتَم بها كتحلية.

لا تفاصيل نهائية عن الزيارة؛ إنما المتردد أنها ستمتد لثمانية أيام يقضيها الضيف فى فلوريدا، ويلتقى المُضيف مرتين، فضلا على لقاءات أخرى مع وزيرى الخارجية والحرب، ماركو روبيو وبيت هيجسيث، ومع المبعوث الرئاسى ستيف ويتكوف، والصهر وكبير المستشارين جاريد كوشنر.

ستكون رحلته الخامسة إلى بلاد العم سام، وبالنسبة لإسرائيل فالرابطة أوثق من العمومة بالتأكيد. ظل نتنياهو منذ عودته المُظفّرة للحُكم أواخر العام 2022 يتمنّى على بايدن أن يستقبله فى البيت الأبيض، ولم ينلها إلا على هامش زيارة احتيالية لمُغازلة الكونجرس بعد اندلاع حرب الطوفان. أما ترامب؛ فيمنحه خمس تذاكر مجانية فى عشرة أشهر تقريبًا.
الظاهر يُثير الأسى من دون شكّ؛ إذ لا معنى له إلا أن رجل الصفقات يواصل غرامه المعروف بالرقص مع المُنتصرين، بالضبط كما يفعل فى أوراسيا حاليا. وفى جردة الحساب بعد سنتين من المقتلة القيامية؛ يبدو الحليف العبرى مُتقدّمًا على خصومه فى الجبهات كلّها، ويرفع السبابة والوسطى بعلامة النصر، فيما تنزف الخرائط تحت قدميه من غزة إلى فارس، مرورًا بالضفة ولبنان، والشام الذى تُخدّره نشوة الخلاص من الأسد، فلا يستشعر ألم الافتراس من الضباع.

غير أن الرجل الأكبر لا يسهل توقّعه، وهو مزاجى بطبعه، ولا يأمنه عدو أو صديق. صحيح أنه يُحب تل أبيب؛ إنما ليس أكثر من واشنطن، ويزهو ببقاء نتنياهو كما يقول؛ ولكن على ألا يخصم من عوائد استثماره للنكبات فى تحبير التعاقدات، والدخول فى كل مأساة قسيمًا لأُجرة النائحات، وليس شريكًا فى المناحة نفسها.

ولا شىء يستدعى تلك الدعوة بنكهة الاستدعاء؛ إلا أن يكون صاحبها مُتطلّعًا إلى ترسيم حدود واضحة فى أزمنة السيولة والفوضى، أو إعادة ضبط الإيقاع بما يتناسب مع مُخطّط حركته، ولا يجور على اللحن الموضوع لمستقبل المنطقة، ويجدُر به ألا يتركه للتحريف والنشاز فى خضمّ حاضرها المُلتهب.

تفجّرت فى الأيام الماضية مُفاجأة كُبرى من أروقة الإدارة الجمهورية. كان المُعتاد أن يضع كل رئيس رؤيته لاستراتيجية الأمن القومى، ولم يكن عامل التصحيح ملموسًا طيلة العقود الأربعة الفائتة على الأقل.

أما مع ترامب؛ فقد استدار نصف دورة، وانقلب على أسلافه القريبين جميعًا، ذاهبًا فى شِقّ إلى البعيد جيمس مونرو فى الربع الأول من القرن التاسع عشر، وفى آخر إلى تحوير معاكس تماما لرؤية نيكسون وكيسنجر؛ إنما تحت ظل الفكرة نفسها، وباستناد أصيل إلى سردية الرجل المجنون.

عاد الرجل إلى فكرة نصف العالم الغربى، وأن تكون أمريكا اللاتينية ومُحيطها حديقة خلفية للولايات المتحدة، ومنطقة نفوذ مُغلقة عليها وحدها. تقدّمت الصين فى الأولويات دون تصريح، وتأخرت روسيا دون تلميح، وما كان يُراد فى الستينيات والسبعينيات باستقطاب الأولى بعيدًا من الثانية، تبدّل وأخذ الاتجاه المُضاد، وبدا أنه يستميل موسكو ليشق ثوب ائتلافها مع بكين.

تراجع الشرق الأوسط كثيرا إلى الوراء. لم يخرج من حيِّز الاهتمام بالكامل؛ لكنه لم يعُد حاضرًا بالأصالة عن نفسه، بل بالوكالة التى تتمثّل فى ثنائية مُتضادة: إسرائيل كمركز ثِقَل فيه واتّزان لعلاقاته، وإيران بوصفها قوّة التهديد الأكبر، وبينهما تركيا كحليف من داخل الناتو، وسوريا كرهان جديد على إعادة تحرير الخرائط الجيوسياسية ومضامير اللعب، ثم الخليج بالإشارة إليه ككُتلة واحدة، تتلامس مع كُتلة مُجاورة تُوصف بـ«الصداقة» من بعيد.

هكذا؛ يُصرّح قُطب العقارات بأنه لن يهدم ولن يبنى، بل سيترك الآخرين يتولّون المهام وحدهم، ثم يقتسم معهم عوائد رفع الأنقاض وإرساء الأُسس الجديدة. وهو فى هذا لن يُقدِم أو يُدبِر؛ إنما سيُعاير الأمور على ميزان المصالح الأمريكية، ويُديرها من خلال الوكلاء، وإن شاءوا تسمية ألطف فلتكن «الشراكة»، من دون مزايا لهم ولا أعباء عليه. لن يدفع لأحد؛ وسيأخذ من الجميع طبعًا.

وانطلاقًا من ذاك التصوّر؛ فإن غزّة لُقمة بائتة يجب هضمها قبل الانتقال إلى الوجبة الطازجة. ومنها ستتحدّد الأوزان فى المُقبل، وتُخَطّ ملامح السلام الاقتصادى الذى لن يُعطّله شىء عن الوصول إلى مُبتغاه. ربما يحتاج إلى تقدمة مُبكّرة، أو ترضيات عابرة؛ لكنه ماضٍ فى كل الأحوال إلى ما يُريد.

والحال؛ أنها فُرصة مثالية للفاعلين الباقين من المنطقة بعدما أكل عليها الدهر وشرب. ليس من مُنطَلق أنها صفقة رابحة بالضرورة؛ إنما لأن الالتحاق بالقطار أفضل وأجدى من البقاء على الرصيف، أو الانسحاق لاحقا تحت عجلاته الجائعة.
أحرز نتنياهو قصب السبق، وبإمكانه أن يقضم غزّة ولو على حسَكٍ وكُلفة أمنية وأخلاقية، وأن يُمدّد رجليه بطول الضفة الغربية وعرضها، ويُضيف إلى ما فى عُهدته من جغرافيا الجنوب اللبنانى، ولن يمنعه مانع من أن يتمدّد فى قاعدة الشام، ويُجدّد دعوة إيران إلى قفص القتال المُغلق من جديد. لديه ما يكفى من الزهو لاستكمال المُغامرة، ومن القوة للخروج منها رابحًا؛ لكن القرار كان دائمًا، وما يزال، فى واشنطن لا تل أبيب.

باختصار؛ ستُكتب فصول الدراما التالية كيفما يُريد ترامب، وليس حسب هوى زعيم الليكود وعصابته اليمينية المُتطرفة. بمقدوره أن يُملِى ما يراه بسطوة الأعلى على الأدنى؛ لكنه يُرهِب ويُرغّب ويُغازل، ويبتغى الإقناع غالبًا، وفى القلب منها مُقايضة على الدخول فى حزامه الآمن، وعلى تخليص رئيس الحكومة الفاسد من أعبائه الداخلية؛ ليُغسَل ويصفو وجهه بما يليق بالمهمّة الخارجية المُنتظَرة.

سيذهب نتنياهو إلى مُنتجع «مار إيه لاجو» الفاخر حاملاً تمنّياته بشأن غزة، مُخفيًا أطماعه فى الضفة قليلاً، وساعيًا إلى مُبادلة لبنان بسوريا، وإن تيسّر فلا شىء أحب إليه من استدعاء القوّة الأمريكية المُفرطة لجولة جديدة مع الجمهورية الإسلامية. سيقول كل ما يجول بخاطره؛ ثم يأخذ ورقة صغيرة فى الختام بالتعليمات، يطويها فى جيب سترته، ويذهب إلى التنفيذ.

تقول خطّة ترامب ذات البنود العشرين إن غزّة لن تعود غزّة، ولا أُفق لحماس فى عاجل الحكاية أو آجلها. انتزع للصهاينة أسراهم جميعًا قبل أن يمنح المنكوبين شيئًا؛ لأنه يعرف ويرى بعين اليقين أن قدرته على تطويع المُحتل، أكبر من طاقته على مُنازلة المغصوبين الذين خسروا كل ما فى حوزتهم، حتى الأمل، وليس لديهم المزيد لخسارته. وسيكون عليهم اضطرارًا أن يرتضوا بالمُتاح؛ بعدما تبدّد المأمول، واحترقت آخر أوراقهم، أو لعلها كانت الوحيدة.

تبريد للجبهة، ثم تجميد، ومنه إلى مجلس وصاية يستعير صفة السلام، وقوّة استقرار يُراد لها أن تكون تنفيذية لا تحفّظية. والحاضنة العربية بها رغبة فى الحل، ولها سقف لا يُمكن أن تتجاوزه. وكل ما دون الاحتلال والتهجير يجوز فيه الكلام، وما السلاح ورايات الفصائل إلا تفاصيل عابرة، أفضت إلى النكبة الحالية، ولا قِبَل لها بالاستمرار فى دوّامتها وتحت أغلالها الثِقال.

يُريد نتنياهو أو لا يريد؛ فإنه سيبصم على ما يكتبه الأمريكيون إملاءً من فم الرئيس. وعجوز تل أبيب ليس وافدًا على السياسية حديثًا، أو يختبر ساسة واشنطن من نقطة الصفر؛ لا سيما السيد المُتقلّب دونالد ترامب.

سوريا أخذت عهد الأمان إلى أن تقضى المصلحة بالعكس، ولبنان عُرضة للمُقايضة تحت سقف واطئ؛ مُنتهاه ألا تتهدّد فى وجودها أو يتطاير شررها إلى الجوار. غزّة فُرِّط فيها من حماس؛ لكن جدار القاهرة والعواصم الرديفة لها فى رؤيتها، يحول دون الإجهاز عليها من البر أو تطويحها بناسها فى البحر. سيُفاوض «بيبى» إلى أن تغلُظ اللغة؛ ولا شىء يتقدّم لديه على انتزاع مؤازرة أصلب فى مسألة العفو.

درجت إسرائيل على تمرير الوقت، وتقطيع أهدافها الكُبرى إلى مراحل جُزئية مُتتابعة. من منظور حاكمها الحالى قد تصعب مُجابهة الموجة الترامبية العالية؛ لكن صناديق الاقتراع أقرب إلى الساسة ممّا يظنّون، وإن كان فاز فى أقل من سنة بخمس زيارات، فإمكانه تمرير السنوات الثلاث الباقية؛ والمهم أن يظل موجودًا على سُدّة العرش، وأن يُحصّن سرديته الشخصية ملكًا يهوديا لم تذكره التوراة.

تردّد فى الآونة الأخيرة أن رئيس الوزراء البريطانى السابق تونى بلير استُبعد من مجلس السلام، وكان الاسم الوحيد الذى ذكره ترامب صراحةً إبان استعراض خطته. ويعود الشطب عليه إلى الموقف العربى منه، أكان لدوره فى غزو العراق سابقا، أم لرخاوته طيلة سنواته فى الرباعية الدولية. والجلىّ أن صلابة الكواليس يُمكن أن تُثمر فى العلن، وأن ما يُسَرّب من تفاهمات بين واشنطن وتل أبيب ليس قدرًا محتومًا.

وبمنطق الإطاحة بجَرو جورج بوش الابن، يمكن القول إن استعصاء الوسطاء حاليا كفيل بإفساد خطط غزة القديمة والجديدة/ الخضراء والحمراء. ما يدفع باتجاه تفعيل خطة العشرين بندًا بصورتها الأصلية، وإقناع حماس بتجميد سلاحها أو التخلّى عنه، واستعادة بناء الإجماع الوطنى بعد سنوات الانقسام؛ ليخلُص الفلسطينيون منه إلى إدارة تكنوقراطية محلّ اتفاق، وغير فصائلية، ولا تقود إلا إلى السلطة ولا شىء آخر، وليس إلى الضياع أو تمزيف أوراق غزة الثبوتية.
ترامب رشّاش سريع الطلقات، يُصوّب فى كل اتجاه، ويشتبك مع عشرات الملفات فى اللحظة الواحدة. لا حاجة له لاستجرار نتنياهو إلى جواره لثمانية أيام، وعدة لقاءات معه ومع مبعوثيه ورجال إدارته.

بإمكانه أن يقول ما يُريد فى مُهاتفة سريعة، وأن يُنهى القديم والجديد فى جلسة من عشر دقائق. ما يُؤشّر على أن الإقامة الطويلة لها طابع تحفظّى، وتتّصل بمساعيه لتحريك الأوضاع المُتجمّدة فى غزة بإيقاع محسوب، ومع وجود المُناكف الأوّل تحت سمعه وبصره، دون هامش للمراوغة أو الإفلات أو تغيير الخطاب فى الساحة العبرية، عمّا يُقال به الكلام بالإنجليزية.

وهنا نعود للفرصة المُشار إليها سلفًا. فإذا كانت المرحلة الأولى قد اكتملت بالفعل، ويُريد ترامب الانتقال إلى ما بعدها؛ فلدى الوسطاء والحاضنة العربية مُتّسع من أربعة أسابيع تقريبًا.

من اليوم إلى موعد الزيارة، وطيلة مكوث نتنياهو هناك؛ ليضغطوا باتجاه تثبيت الاتفاق بكامل عناصره، وتحرير مساره الإجرائى من محاولات الاحتيال أو الالتفاف عليه؛ شريطة أن يقع الاتفاق الغائب عن البيئة الفلسطينية بالتزامن؛ فيبرز المُنافحون عن القضية ببرنامج مُكتمل، يقول هذا ما علينا نُوفّيه كما خُطَّ فى المُسوّدة، وما عليكم نتمسك به ولا نتزحزح عنه شبرًا أو ساعة.

يقتضى ذلك تنشيط قنوات الاتصال الخفيّة والظاهرة، وتفعيل الدبلوماسية على صورها الخشنة والناعمة؛ للاتفاق على تشكيل مُتوازن لمجلس السلام، وتمرير ما يتوافق عليه الفلسطينيون بشأن الإدارة الانتقالية، وتحديد طبيعة قوّة الاستقرار ومهامها ومدى تكليفها الزمنى، وبحسب الخرائط المرسومة سلفًا، بمعنى أن تنتشر بالتزامن مع تراجع الاحتلال من الخط الأصفر إلى الأحمر، ثم يكتمل الانسحاب باكتمال ترتيبات تأمين القطاع وتطهيره وتثبيت حكومته المؤقتة.

قالت قطر قبل أيام، وعلى لسان رئيس وزرائها ووزير خارجيتها فى إحدى جلسات منتدى الدوحة، إنها لن تدفع كُلفة إعمار ما دمّره الآخرون. وغيرها يتّخذون الموقف ذاته وإن من دون تصريح، ومصر لا ترتضى إلا أن تكون غزّة لأهلها، وجزءًا من فضاء الدولة الفلسطينية وفق مسار يُفضى مستقبلاً إلى حل الدولتين.

وبات معلومًا للجميع أن الإقدام على الانخراط فى القوة الدولية، يُعطّله ارتياب المدعوّين للمشاركة من غموض مضمونها، واختلافهم العميق على تجزئة الاتفاق، سعيا إلى نشرها فى مناطق سيطرة الاحتلال أوّلا، وبالضغط يُمكن ردّ الخطة لأصلها، وتصويب ما يُضاف إليه من انتحالات لن يسير فيها أحد على الإطلاق.

لا فرصة لدى نتنياهو لتسييل ساحة المواجهة فى الجولان وما وراءها عمّا هى عليه، وقد لا يتمكن من إعادة تسعير الحرب مع حزب الله، بعدما وسّع لبنان مشاركته فى لجنة الميكانيزم، وأبدت الدولة إقبالاً على البحث فى الحل، مُغطّاة بأثر الزيارة الروحية الأخيرة لبابا الفاتيكان.

و«بيبى» نفسه اضطر مؤخّرًا للقول إن أوضاع الضفة لن تتغير عمّا هى عليه حاليا، أى لن يُماشِى حلفاءه المتطرفين فى أطماع الضم وفرض السيادة؛ ولو بقى التوسع الاستيطانى يسترق الأرض ببطء من تحت الأقدام. هامشه الأخير فى غزّة؛ وجدار الصدّ العربى يُمكن أن يُكيّف رؤى ترامب؛ فيرتضى رئيس الحكومة فى الأخير من الغنيمة بالعفو، وأن يُعزّز ترامب موقفه فى مواجهة بيئته السياسية المائجة بالنزاعات.

لا يسهل الجزم بشىء. أحدث الطوفان خلخلة عظيمة فى بيئة هشّة، وما كان قبل السابع من أكتوبر صار حلمًا بعيد المنال، أو مستحيلاً فى الحقيقة. ولا بديل عن الدوس فى حقل الألغام، واختبار هامش النجاة المُتاح فيه خطوة بعد أخرى.
إيقاف الحرب؛ فتثبيته؛ ثم تهيئة بيئة صالحة لتطبيع الحياة مُجددا، وإرساء إدارة مدنية بديلة، والخلاص من ذرائع العدو الباقية، وبعد سنتين بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2803، أو عشر سنوات لو تيسّرت الهُدنة الطويلة التى تريدها حماس، ستكون الحال غير الحال، أقلّه أنها لن تصبح أسوأ مما هى عليه اليوم، وقد لا يكون نتنياهو نفسه شريك الطاولة الأبدية، والأهم أن التعافى يُصلّب الظهر، ويُتيح مُتّسعًا للأفكار الخلّاقة بعيدًا من الضغط والاضطرار.

كُتب المسار اضطراريا برصاصة السنوار، وكل الجهود الأمينة لا يمكن أن تخدع نفسها والآخرين؛ لتدّعى أنها ترتدّ على ما نزل بثِقله فوق الرؤوس، أو تعيده إلى نقطة الصفر من جديد. إنها محاولة للإنقاذ قبل كل شىء، والأولوية فيها لانتشال الغريق، وليس التمنّى على القدر بأن يجفّ البحر.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة