الزمن الآخر.. إدوار الخراط والعشق بينه وبين الكتابة

لخص الروائي الكبير الراحل أدوار الخراط تجربته الروائية بالقول إنها "محاولة المعرفة، والبحث في الكتابة عن الأسئلة التي توصل إلى معرفة نسبية"، موضحا أن "الهموم التي تفرض نفسها على الكاتب في دول العالم الثالث قائمة في الكتابة، في البحث عن الديمقراطية والعمق الإنساني والتحرر، رغم أنني لا أرى في الكتابة عملا تبشيريا".

وتمر اليوم الذكرى العاشرة على رحيل الكاتب الكبير أدوار الخراط، إذ رحل عن عالمنا في 1 ديسمبر2015 عن 89 عاما، تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا كبيرًا، كتب عن خفايا النفس البشرية، قدم للثقافة العربية عشرات الكتب في مجالات الترجمة والرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي والنقد التشكيلي.

عُرف إدوار الخراط بغزارته الإنتاجية، إذ كان يصدر له كتابان أو ثلاثة في العام الواحد على الرغم من تأخره في النشر عن أبناء جيله، حيث لم ينشر مجموعته القصصية الأولى "حيطان عالية" إلا عام 1959، وأتبعها بمجموعته الثانية "ساعات الكبرياء" عام 1972، وصدرت روايته الأولى "رامة والتنين" عام 1979.

فالكتابة لدي صاحب "راما والتنين" فعل من أفعال الحب، حيث قال: كثيراً ما أشعر بوجود ما يشبه الحبَّ في الكتابة، في الكتابة قدر من الولع، المتعة والعذاب، عذاب الكتابة، مثل عذاب الحب فعلاً. كأن الكتابة نفسها عملية شبقية، ولتوضيح هذه العشق بينه وبين أعماله أكد الخراط: فإن علاقتي باللغة تكاد تكون علاقة عضوية، جسدانية، شبقية، إلى جانب أنها علاقة درس ومعرفة ومحاولة لسبر الأغوار. إلى آخر ما يمكن أن يقوم به العاشق من بحث.
روايات الخراط تتطرق إلى الموضوعات الإنسانية من قضايا الحب، والحياة، والموت، والألم، وحقيقة الحياة وغيرها، وفي روايته "الزمن الآخر" عانق أدوار التاريخ الإنساني من خلال رؤيا متقدمة، وتحلم بأن تعانق الحقيقة الكلية، وأن تتجاوز الوجود المليء بالرداءة والسقوط والواحدية، لتخلق عالماً رمزياً مليئاً بمفرداته المتجادلة، ومستوياته المتداخلة، والرواية تتقطر فيها كثافة العالم في محاولة للتبشير بوضع إنساني مغاير؛ إنها رؤيا تعيد النظر في كل ما يحيط بنا.

كتب أدوار الخراط في كثير الحقول الأدبية، لم يكتب الرواية فقط، بل كتب في النقد والنقد التشكيلي وترجم أعمالا أدبية أيضا، وفي كتاباته حول دائما الجمع بين عالمين لا يجمع بينهم سوى الفكرة، إذ جمع بين ما هو خيالي وهو واقعي، فكان رائدًا لتيار جديد في الكتابة، ظل وسيظل كاتبًا فريدًا من نوعه فيما كتب وفيما صاغ من أفكار وتصورات للنفس البشرية والحياة.