فى واحدة من القصص الإنسانية المؤثرة التي تختلط فيها المأساة بالعبرة، عاد الشاب "منتصر" ابن قرية الشطب التابعة لمحافظة أسوان إلى قريته بعد سبع سنوات من الهروب، بعدما خسر كل ما يملك بسبب إدمانه لألعاب القمار الإلكترونية، عاد ليواجه الجميع، ويروي قصته أمام أهله وجيرانه، معترفًا بذنبه، ومعلنًا توبته، بعد رحلة قاسية بين الضياع والندم، انتهت بمشهد مؤثر جمع بينه وبين أهل قريته الذين سامحوه بعدما ردّ إليهم حقوقهم.
بداية الحكاية: من لعبة تسلية إلى هاوية الدمار
يقول منتصر: "كنت شاب طموح، فاتح محل صغير لصيانة وبيع أجهزة الكمبيوتر، وكنت معروف في القرية بحبي للتكنولوجيا وفي يوم من الأيام، جربت لعبة قمار إلكترونية على الموبايل لمجرد الفضول، قلت أجرب وأتسلى شوية، لكن التسلية البريئة تحولت تدريجيًا إلى إدمان حقيقي، وبدأت أخسر، ثم أحاول تعويض خسارتي بالمزيد من اللعب، حتى وجدت نفسي غارقًا في دوامة لا تنتهي".
وتابع قائلاً: "في الأول خسرت شوية فلوس بسيطة، بعدين بقيت أقول لنفسي أكسبهم تاني، وأهو كل الناس بتلعب، بس اللعبة دي سحبتني سحبة ماعرفتش أوقفها".
السقوط الكبير.. ديون بالملايين وهروب من القرية
لم تمر سوى شهور حتى كان منتصر قد خسر كل ما يملك، باع أدوات محله، ثم بدأ يستدين من أصدقائه وأقاربه، وأخذ قروضًا باسم والدته حتى وصل حجم خسارته إلى ما يقارب من 3 ملايين جنيه ويقول بحرقة: "كنت بضحك على نفسي وأقول هكسب وأرجع كل حاجة، لكن كل يوم كنت بخسر أكتر ووصلت لمرحلة إن الناس في البلد بقت تطالبني بحقوقها، والدنيا سدت في وشي".
وصلت ديون منتصر من أهل قريته فقط إلى نحو 700 ألف جنيه، بجانب قروض البنوك ومع تزايد الشكاوى والقضايا المرفوعة ضده، لم يجد أمامه إلا طريق الهروب.
وعلق قائلاً: "في عام 2018 تركت البلد وهربت، كنت مش قادر أبص في وش أمي، ولا أواجه حد من أهل قريتي نمت أيام في الشوارع، واتنقلت بين شقق صغيرة في القاهرة عشان أستخبى من الناس اللي ليها فلوس عندي".
لقاء غير متوقع.. بداية طريق التوبة
في أحد أيام شتاء 2024، وبينما كان يسير في شوارع القاهرة، صادف منتصر أحد صُنّاع المحتوى المعروفين على مواقع التواصل الاجتماعي، قال منتصر: "كنت تايه ومش عارف أبدأ منين، لكن ربنا بعتلي هذا الشخص، سمع حكايتي من غير ما يحاكمني، وقال لي: لو فعلاً تبت، لازم تحكي للناس عشان الكل يتعلم".
وبالفعل، ظهر منتصر في فيديو مع البلوجر وحكى قصته بصدق مؤلم، قال للجميع إنه لا يسعى للشهرة ولا يبحث عن تبرير، لكنه يريد فقط أن يحذر الشباب من هذا الطريق المظلم ويضيف: كنت متردد أطلع، بس لما شوفت تعليقات الناس وتعاطفهم، حسّيت لأول مرة إن فيه أمل إن ربنا يغفر لي.
المعجزة الإنسانية.. المصريون يجمعون الديون
انتشر الفيديو كالنار في الهشيم، وتعاطف الآلاف مع قصته وبدأ بعض المصريين في إطلاق مبادرة لجمع المبالغ التي كان مدينًا بها، لمساعدته على رد الحقوق والعودة إلى قريته.
ويحكي منتصر: اللي حصل كان شبه المعجزة، الناس اللي ما تعرفنيش اتبرعت، والبلوجر نفسه سافر مع مجموعة شباب من القاهرة لحد أسوان، ورجعنا سوا القرية.
وفي مشهد مهيب، وقف منتصر وسط أهله وجيرانه، وأمام عمدة القرية، وهو يرد لكل صاحب حق ماله، دموعه لم تتوقف، ووجوه الناس امتلأت بالعفو والرحمة ويقول: الناس في قريتي طيبين.. سامحوني رغم اللي عملته. كنت فاكر إنهم مش هيقبلوني، لكنهم حضنوني كأني مولود من جديد.
صفحة جديدة ورسالة للشباب
اليوم يعيش منتصر حياة جديدة، بعيدًا عن القمار والشبهات، ويحاول مساعدة الشباب على تجنب الوقوع في نفس الخطأ.
يقول في رسالته الأخيرة: القمار مش لعبة، القمار نار.. يضيعك من غير ما تحس، أنا خسرت مالي وكرامتي، بس ربنا اداني فرصة تانية عشان أتعلم، اللي بيلعب النهارده، بكرة هيبكي زيي، ويختم كلماته بجملة تلخص رحلته كلها: الرجوع مش ضعف أبداً.
يذكر أن الأزهر الشريف حذر مرارًا من مخاطر ألعاب القمار الإلكترونية، لما تسببه من خسائر مادية ومعنوية جسيمة، مؤكداً أنها تُعد من المحرمات شرعًا وتستوجب التوبة الصادقة.

الشاب التائب منتصر

الشاب يعود لأهله بعد توبته

سداد دين منتصر

فرحة منتصر بسداد ديونه

منتصر الشاب الأسوانى

منتصر